موقع متخصص بالشؤون الصينية

منظمة شنغهاي للتعاون: من الإقليمية إلى العالمية

0


وكالة أنباء موسكو:
أستانة – باسل الحاج جاسم:
اختتمت القمة الـ12 لمنظمة شنغهاي للتعاون أعمالها في بكين اليوم الخميس. ومن بين الوثائق العشر التي وقع عليها رؤساء الدول الأعضاء قرار اعتماد الخطوط الأساسية لإستراتيجية تنمية المنظمة، والوثيقة الخاصة بالإجراءات السياسية الدبلوماسية المطلوب اتخاذها للرد على تطورات تهدد السلام والأمن والاستقرار في مجال عمل المنظمة، وقرار اعتماد برنامج التعاون في مكافحة الإرهاب والنزعة الانفصالية والتطرف.
كما وقع رؤساء الدول الأعضاء على قرار منح أفغانستان صفة مراقب وقرار منح تركيا صفة شريك للمنظمة في الحوار، وقرار ترشيح الروسي دميتري ميزينتسيف، محافظ إيركوتسك السابق، لمنصب أمين عام المنظمة.
وتضم منظمة شنغهاي في عضويتها الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان.
وحصلت منغوليا والهند وإيران وباكستان على صفة مراقب في المنظمة. وانضمت إليها أفغانستان اليوم.
وحصلت بيلاروسيا وسريلانكا على صفة شريك في الحوار. وانضمت إليهما تركيا.
وكان الرئيس الصيني هو جينتاو قال في تصريح لوسائل الإعلام الصينية إن منظمة شنغهاي ستستمر في حل “المسائل الإقليمية” من خلال الاعتماد على الذات، حامية نفسها من اضطرابات ناتجة من عدم الاستقرار خارج مجال عمل المنظمة.
يذكر أنه بعد غياب الاتحاد السوفيتي واستقلال جمهوريات آسيا الوسطى (كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان)، بدأت الصين تواجه مشكلة حركة تركستان الشرقية، والخطر الشديد الذي شكله الأيغور الموجودون في جمهوريات آسيا الوسطى الناطقة باللغة التركية (يقدر عددهم فيها بقرابه 700 ألف أيغوري). وكانت حكومات آسيا الوسطى أوقفت بضغط من الصين نشاط الأيغور في دولها.
ومن أجل مكافحة الحركة الانفصالية والتطرف، وبمبادرة من بكين في العام 1996 تشكلت منظمة “خمسة شنغهاي” (الصين وروسيا وطاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان) الساعية إلى تعزيز الثقة والأمن في مناطقها الحدودية. وبانضمام أوزبكستان إلى المنظمة في عام 2001 تغير وضع المنظمة وإسمها، وأعلن قادة الدول الست تشكيل “منظمة شنغهاي للتعاون”.
ومن المؤكد أن الصين تريد استخدام منظمه شنغهاي لإحكام سيطرتها الاقتصادية على منطقة آسيا الوسطى، كما أن من الواضح أن دول آسيا الوسطى مهتمة في تنامي النفوذ الصيني في المنطقة، بهدف الموازنة بين هذا الدور وبين روسيا والولايات المتحدة اللاعبين العملاقين الآخرين في المنطقة.
الشيء الأبرز في قيام منظمة شنغهاي التي يقطن بلدانها نصف سكان الأرض، تمثل في التقارب الصيني الروسي الذي يفسر بمحاولة بكين وموسكو الاهتمام بمصالحهما في آسيا الوسطى، في حين يشار أيضا  إلى دور “التطرف الإسلامي” و”الانفصالية” في تسريع قيام هذه المنظمة. ولكن ما يجمع عليه المراقبون هو أن أمن منطقة آسيا الوسطى واستقرارها، مرتبطان بمستوى التوافق بين قطبي المنطقة موسكو بثقلها السياسي الكبير وخلفيتها التاريخية، وبكين العملاق الإقليمي.
وكان الاهتمام الدولي بقمة بكين سابقاً على عقدها، ومبعثه الانتقادات الأميركية بشأن مشاركة إيران فيها. وسبق أن انتقد وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد مشاركة طهران كمراقب في أعمال قمة شنغهاي السادسة التي انعقدت في الصين ايضا، وقال: «إن من الغريب السعي لضم دولة مثل إيران التي تعتبر من أكبر الدول الداعمة للإرهاب إلى منظمة تدعي أنها ضد الإرهاب».
أما الاهتمام الإيراني بالمشاركة في القمة فمبعثه أن منظمة شنغهاي، التي طلبت إيران العضوية الكاملة فيها، تمثل نقطة انطلاق للتوجه نحو الشرق وتفعيل العلاقات مع العملاقين الإقليمين الصين وروسيا والدول الإسلامية في آسيا الوسطى. وانتبهت إيران إلى النتائج الإيجابية التي يمكن أن تعود عليها من خلال توطيد علاقاتها مع هذه الدول خصوصاً الصين، التي تأتي في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة من حيث استهلاك النفط.
أما بالنسبة إلى روسيا، فإنها تحظى باهتمام خاص من جانب إيران كونها أحد المصادر الأساسية للأسلحة والتكنولوجيا النووية وتحاول إيران إيجاد شبكة من المصالح وتقديم إغراءات اقتصادية إلى روسيا في مواجهة الضغوط الغربية.
إضافة إلى أن كلاً من الصين وروسيا، تعتبران أن دولاً أخرى في آسيا الوسطى ان تعميق علاقاتها الاقتصادية والثقافية مع إيران مصلحة حيوية، وتأتى طاجيكستان، على رأس هذه الدول خصوصاً في ضوء الخلفية التاريخية التي تربط بين الشعبين الإيراني والطاجيكي، اللذين تجمع بينهما اللغة الفارسية. وقد لعبت إيران دوراً مهماً في إنهاء الحرب الأهلية في طاجيكستان.
ومن اللافت أيضا أن اهتمام المنظمة بدأ يتجه أكثر بأكثر نحو قضايا التعاون الاقتصادي، وأصبح ذلك واضحا منذ خمس سنوات، بعد أن أقرت المنظمة برنامجاً للتعاون التجاري الاقتصادي الطويل الأمد حتى عام 2020، خصوصاً أن العديد من البلدان أعضاء المنظمة تتوافر لديهم إمكانات كبيرة للعمل المشترك في مجالات عدة.
وتحتاج روسيا وكازاخستان وأوزبكستان أكبر الدول المصدرة للخامات في المنطقة الآن إلى أسواق جديدة تستوعب منتجاتها، فيما تعتبر الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم، وإذا أخذنا في الاعتبار زيادة استهلاك الطاقة في العالم وارتفاع أسعار النفط تصبح الشراكة في مجال الطاقة أحد أبرز عناوين التعاون في إطار منظمة شنغهاي.
وعلى رغم التباطؤ في تطوير التعاون الاقتصادي في إطار منظمة شنغهاي، إلا أن هذه المنظمة تلعب دوراً ملحوظاً بين المنظمات الإقليمية التي تأسست بعد تفكك الاتحاد السوفيتي من أجل ضمان تعدد الأقطاب.
ونقول في الختام أن الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون لا تخطط لتشكيل أي هيئة عسكرية بحسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يؤكد أنه “في منظمة شنغهاي لا ندرس تشكيل هيئة عسكرية. الحديث يدور عن تعاون متبادل موسع بين الأجهزة التي تعمل في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات، ولا ينظر في أي قوة خاصة أخرى”.
كما يؤكد وزير الدفاع الروسي اناتولي سيرديوكوف “أن منظمة شنغهاي للتعاون لا تعد حلفاً عسكرياً، ولا ترى نفسها خصماً لقوى أخرى”، مضيفاً انها “تلعب دوراً تتزايد أهميته في السياسة الإقليمية والعالمية، وأن أعضاء المنظمة يؤكدون عدم وجود مكان في العالم حالياً للمواجهات بين الأحلاف السياسية العسكرية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.