موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين وخريطة مياهها الإقليمية

0

صحيفة البيان الإماراتية ـ
جويل برينكلي:
لأنني كنت واقفاً على شفا جرف شاهق يطل على البحر الأصفر، فقد كان من المستحيل أن أتغاضى عن المشهد الحاصل في الأسفل، إذ كانت مجموعة من قوارب الصيد الصينية، يرفع كل منها العلم الوطني الأحمر الكبير، تبحر في اتجاه المياه الكورية الجنوبية، بحثا عن سرطانات البحر الزرقاء وأسماك الأنشوجة والنعاب.

ولم تكن القوارب قد قطعت شوطا طويلا، عندما دخلت المشهد سفينتان حربيتان تابعتان لقوات حرس السواحل الكورية الجنوبية، ومزودتان بمدافع كبيرة، فأبحرتا بأقصى سرعتهما نحو قوارب الصيد. وفجأة، ضغط قبطان سفينة القيادة على بوقه، مطلقا صوتا مدويا إلى درجة أن سماعه كان ممكنا من على بعد أميال.

وبالتأكيد، فقد سمع الصيادون الصوت، فسارع كل منهم إلى توجيه قاربه شمالا، مغادرا المياه الكورية الجنوبية. واستمرت السفينتان الحربيتان في الإبحار، إلى أن توقفتا أخيرا على أثر سفن الصيد.

وانتهت مواجهة كورية أخرى مع الصين، وهذه المرة بدون أي عنف. ولكن ليست هذه هي الحال دائما، فحين استقل ضباط حرس السواحل سفينة صيد صينية قبل بضعة أشهر، أقدم الصينيون، حاملين سكاكينهم ومناجلهم وسنانيرهم، على قتل أحد الضباط وإصابة آخرين غيره بجروح. وتقول كوريا الجنوبية إنها صدت أكثر من 500 قارب صيني منذ بداية عام 2011.

وليست حوادث العنف بالأمر غير المألوف بالنسبة للصين، فإن هذا أمر متوقع، إذ تؤكد هذه الدولة على نحو مثير للسخرية، أنها تسيطر عمليا على جميع البحار من كوريا وصولا إلى ماليزيا وبروناي. وخريطة الصين نفسها التي تظهر مياهها الإقليمية المزعومة، تبدو كبالون منفوخ في مكان ضيق، وهي تعرف في المنطقة باسم “لسان البقرة”. وتقع أبعد نقطة تزعم الصين أنها تخصها، على بعد أكثر من 1200 ميل.

ولا أحد، ولا أي دولة في العالم، يقر بحق الصين في 90% من بحر الصين الجنوبي، أي في 1,2 مليون ميل مربع، وغيرها من المياه الإقليمية إلى الشمال، مثل البحار المحيطة بكوريا الجنوبية. ومن باب الاحتراس من الصين، تعمد كوريا الجنوبية إلى بناء قاعدة بحرية كبيرة في جزيرة جيجو، التي تقع قبالة سواحلها الجنوبية.

وحتى كوريا الشمالية تخوض صراعا مع الصين، الدولة الراعية لها وصديقتها الوحيدة. ففي الثامن من مايو الماضي، ألقت كوريا الشمالية القبض على 28 صيادا صينيا في مياهها الإقليمية، وبعد أن تم الإفراج عنهم، ادعى الصيادون أنهم تعرضوا للضرب والتجويع.

وبالنظر إلى ذلك كله، فإن مجلس الشيوخ الأميركي يحاول إحياء معاهدة قانون البحار، التي تم توقيعها قبل 30 عاما ولكن لم يتم التصديق عليها بسبب معارضة الجمهوريين المحافظين. ولكن منذ فترة وجيزة، عمدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، وغيرهما من كبار المسؤولين، إلى تحفيز لجنة العلاقات الخارجية على التصويت للتصديق عليها.

وتصر الولايات المتحدة على أنه يحق لها تماما أن ترسل سفنا تجارية وعسكرية إلى بحر الصين الجنوبي، كما تفعل دائما. ولكن في غياب تلك المعاهدة، فإنها لا تملك أي أساس قانوني لمناقشة تلك النقطة مع الصين.

وبعد تعرضها لضغوط من جانب الغرب لتوضيح موقفها البحري، أصدرت جمهورية الصين عام 1947 خريطة رسمية توضح مطالبتها بكامل بحر الصين الجنوبي تقريبا. ولم يول كثيرون ذلك الأمر اهتماما حينذاك، وذلك لأن الحزب الشيوعي الصيني فاز على حزب الكومنتانغ القومي بعد مرور عامين وفرض سيطرته على البلاد.

ولكن، كما تبين بعد ذلك، فإن الحكومة الجديدة تبنت الخريطة، وأصبحت الصين، في السنوات الأخيرة، أكثر حزما حيال هذه المسألة. وتخوض الصين الآن مواجهة عدائية مع الفلبين، التي تطالب بمجموعة من المناطق الضحلة التي تبعد 124 كيلومترا عن سواحلها، وتبعد 472 كيلومترا عن الصين. وفي أبريل الماضي، اعترضت الفلبين عدة سفن صيد صينية تعمل هناك، وهبت الصين للدفاع عنها، حيث أكد ناطق باسم الخارجية الصينية أن هذه المياه الضحلة البعيدة، “تشكل جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصينية”.

كل ذلك هراء محض، وليست هناك دولة أخرى على وجه الأرض تطلق ادعاءات سخيفة من هذا النوع. ويفيد القانون الدولي للبحار أن “لكل دولة الحق في إيصال عرض مياهها الإقليمية إلى حد لا يتجاوز 12 ميلًا بحرياً” من سواحلها. ومن جهة أخرى، فإن لكل دولة “منطقة اقتصادية حصرية” تمتد مسافة 200 ميل من سواحلها. ومن الواضح أن تلك المناطق الضحلة الفلبينية تقع ضمن ذلك الحد، ولا حقوق للصين هناك.

وليست الفلبين الدولة المنزعجة الوحيدة، فالانزعاج باد أيضا على ماليزيا وبروناي وسنغافورة وأندونيسيا وفيتنام، التي تشعر بالتهديد إلى درجة أنها في الواقع تدعو السفن الحربية الأميركية إلى أن ترسو هناك.

وفي غمار هذا كله، تصر الصين على التبجح والتهديد. فقد وصفت كوريا الشمالية بالـ”وقحة”، وقالت إن الفلبين يجب أن تعاقب. وفي إطار تحذير قبل أخير، قالت وزارة الخارجية الصينية إن جيرانها “يلعبون حقيقة بالنار”، وإنها تأمل ألا تمتد النار إلى الولايات المتحدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.