“الحزام والطريق” في مرحلة التنمية عالية الجودة: فتح فصل جديد من الفرص للتعاون الصيني-العربي
موقع الصين بعيون عربية:
الدكتور تشين جيه، عميد معهد الدراسات الإقليمية والدولية، جامعة صن يات-سين
ما تينغ، باحثة في مركز الدراسات الشرق الأوسطية، جامعة صن يات-سين
في عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بحكمة بعيدة النظر مبادرة “الحزام والطريق”. تهدف هذه المبادرة العظيمة إلى تعزيز الازدهار الاقتصادي للدول الواقعة على طول الطريق، وتعميق التعاون الاقتصادي الإقليمي، والسعي لتعزيز التبادل والحوار بين الحضارات المختلفة، وبالتالي دفع العالم نحو طريق السلام والتنمية. بعد عقد من الجهود الدؤوبة، حقق بناء “الحزام والطريق” إنجازات لافتة، ودخل بنجاح مرحلة تنموية جديدة عالية الجودة، مُظهرًا آفاق تنموية أوسع وتأثيرًا أكثر عمقًا على الساحة العالمية.
في مجال الربط البيني للبنية التحتية، حققت مبادرة “الحزام والطريق” نتائج مثمرة. مشاريع رمزية مثل خط السكك الحديدية بين الصين ولاوس وخط سكة حديد جاكرتا- باندونغ فائق السرعة، بعضها اكتمل وبدأ التشغيل لتصبح شرايين حيوية للتنمية الإقليمية، بينما تتقدم مشاريع أخرى بثبات محققة تطورات جوهرية. لم تحسن هذه المشاريع الاتصال بين المناطق والشعوب فحسب، بل عززت التدفق الفعال للأفراد والبضائع، وحققت دفعًا قويًا للنهوض الاقتصادي الإقليمي. في الدول العربية، تلعب المبادرة دورًا هامًا كذلك. فمشروع قطار الحرمين السريع في المملكة العربية السعودية ينقل بكفاءة أعدادًا كبيرة من الحجاج خلال موسم الحج الإسلامي السنوي، مما خفف الضغط المروري المحلي ورفع القدرة الاستيعابية لحركة النقل الحضرية، كما وطور السياحة والخدمات المحلية. أما مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، فقد أدخل بنشاط التكنولوجيا والخبرة الصينية في التخطيط الحضري وبناء البنية التحتية، حيث تم إنشاء شبكات مواصلات متطورة ومرافق إمداد طاقة، مما وضع أساسًا متينًا للتطور الحضري وسرع عملية التمدن في مصر. إن مشاريع البنى التحتية هذه لم تحسن فقط ظروف النقل في الدول العربية، بل وفرت فرص عمل واسعة وحفزت النمو الاقتصادي.
في مجال التعاون التجاري والاستثماري، حققت المبادرة نتائج بارزة. حيث شهد حجم التجارة السلعية بين الصين والدول الواقعة على طول الطريق نموًا مستمرًا، مع توسع مستمر في حجم الاستثمارات المتبادلة. استفاد الطرفان من منصات مثل المناطق الحرة ومناطق التعاون الاقتصادي لاستكشاف تسهيل التجارة وتحرير الاستثمارات، محققين إنجازات ملموسة. كمثال على ذلك، جذب مجمع التعاون الصناعي الصيني-الإماراتي النموذجي العديد من الشركات الصينية العاملة في مجالات تصنيع المعدات والطاقة الجديدة والمواد المتطورة. من خلال هذا المجمع، قامت الشركات بنشر منتجاتها وتقنياتها في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا، محققة توسعًا دوليًا للصناعات. في الوقت نفسه، وفر المجمع فرص عمل محلية ورفع المستوى التقني وحفز الترقية الصناعية. في الجانب التجاري، تحظى المنتجات الإلكترونية والمعدات الآلية الصينية بشعبية واسعة في الدول العربية، بينما تدخل منتجات النفط والكيماويات والمنتجات الزراعية المميزة العربية بكميات كبيرة إلى السوق الصينية، مما يحسن باستمرار هيكل التجارة ويحفز الحيوية الاقتصادية لكلا الطرفين.
قدمت مؤسسات مالية مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) وصندوق طريق الحرير دعماً مالياً قوياً وقنوات تمويل متنوعة للمشاريع ذات الصلة. يتعاون الجانبان الصيني والعربي بشكل وثيق في المجال المالي، حيث أنشأت مجموعة البنك الصناعي والتجاري الصيني فروعًا في الإمارات لتقديم خدمات مالية للشركات والمشاريع الصينية المحلية، تشمل تمويل المشاريع وتسوية المعاملات التجارية. في الوقت نفسه، يستكشف الطرفان بنشاط مجالات التعاون في الرقابة المالية ومبادلة العملات وإصدار السندات. على سبيل المثال، تتعاون الصين مع بعض الدول العربية عن طريق إيرام اتفاقيات لمبادلة العملات، مما قد قلل من المخاطر النقدية في التجارة وحفز التطور المستقر للاستثمار الثنائي. في سوق السندات، عزز التعاون المشترك الربط البيني للأسواق المالية، ووفر خيارات تمويلية أكثر للشركات من الجانبين، مما دعم بشكل فعال الاستقرار المالي الإقليمي والتنمية الاقتصادية.
التواصل الثقافي والإنساني يشكل جزءًا جوهريًا من مبادرة “الحزام والطريق”. تعمل المبادرة بنشاط على تعزيز التبادل الواسع بين الدول الواقعة على طول الطريق في مجالات التعليم والثقافة والسياحة والعلوم والتكنولوجيا. من الجانب التعليمي، توفر الصين سنويًا عددًا كبيرًا من المنح الدراسية للدول العربية، حيث يَقدَم العديد من الشباب العرب إلى الصين لدراسة المعارف والتقنيات المتقدمة. في الوقت نفسه، تُرسل الصين خبراء تعليميين إلى الدول العربية لإجراء أنشطة التبادل الأكاديمي، مما قد أسهم في تعزيز الاندماج بين الرؤى التربوية ومناهج التدريس لكلا الجانبين. في المجال الثقافي، تُنظَم بشكل متكرر فعاليات مثل السنوات الثقافية الصينية-العربية، والمعارض الفنية، وتبادل التراث الشعبي. تحظى الثقافات الصينية التقليدية مثل الخط الصيني والفنون القتالية (وو شو) بإعجاب في الدول العربية، بينما تُعرض فنون الموسيقى والرقص والعمارة العربية في الصين، مما يعزز التفاهم المتبادل والصداقة بين الشعوب. كما ويزدهر التعاون السياحي، حيث يتوجه عدد متزايد من السياح الصينيين إلى الدول العربية لتجربة الخصوصية الثقافية، بينما يزور السيّاح العرب الصينَ لاكتشاف تاريخها العريق، مما ينعش القطاع السياحي ويعمق الروابط الشعبية.
اليوم، دخلت المبادرة مرحلة التنمية عالية الجودة مع تحديث مستمر في المبادئ التوجيهية ونطاق التعاون. مع التمسك بمبدأ التشاور والمشاركة الجماعية، تُولي المبادرة اهتمامًا أكبر لمفاهيم الانفتاح والاستدامة والنزاهة، ساعيةً لتحقيق أهداف تنموية عالية المعايير تعود بالمنفعة على الشعوب وتحقق الاستدامة. يعكس هذا التحول بشكل كامل فهم المبادرة العميق لمتطلبات العصر، واهتمامها البالغ بالتنمية العالمية المستدامة، وحرصها على رفاهية شعوب العالم.
تتوسع مجالات التعاون باستمرار، فإلى جانب المجالات الخمسة التقليدية (التواصل السياسي، وربط المرافق، وانسياب التجارة، والتكامل المالي، وتقارب الشعوب)، تبرز مجالات جديدة مثل “طريق الحرير الرقمي” و”طريق الحرير الصحي” و”طريق الحرير الأخضر”. في المجال الرقمي، يتعاون الجانبان الصيني والعربي بشكل وثيق. فعلى سبيل المثال، أنشأت مجموعة “علي بابا كلاود” مركز بيانات في السعودية لتقديم خدمات الحوسبة السحابية وتحليل البيانات الكبيرة، داعمةً التحول الرقمي للشركات المحلية السعودية. كما تعاون الطرفان في مجال التجارة الإلكترونية عبر إنشاء منصات تجارية إلكترونية عابرة للحدود. في المجال الصحي، واجهت الصين والدول العربية تحديات الجائحة بشكل مشترك، حيث قدمت الصين مساعدات طبية ضخمة وشاركت الخبرات وخطط العلاج، كما تعاونت في الأبحاث العلمية مع بعض الدول. في المجال البيئي، يتعاون الجانبان الصيني والإماراتي بشكل عميق في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث استخدم مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في الإمارات تقنيات ومعدات صينية متطورة، دافعًا التنمية الخضراء في الدولة.
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، تواصل المبادرة دورها المحوري في تعزيز الاقتصاد العالمي ودعم تعافيه. من خلال تحسين البنية التحتية، وتسهيل التجارة والاستثمار، وتعزيز التعاون الصناعي، تسهم المبادرة في تعزيز مرونة الاقتصاد العالمي وحيويته، مما يدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة. كما تقدم المبادرة حلولًا مبتكرة لإصلاح نظام الحوكمة العالمية، من خلال تعزيز آليات التعاون متعدد الأطراف وتنسيق السياسات، مما يعزز الشمولية والفعالية في الحوكمة العالمية. وتُعد المبادرة أيضًا منصة رئيسية لبناء مجتمع إنساني مشترك، حيث تساهم في تعميق التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي وتقريب الشعوب، مُؤسِّسةً أسس التفاهم والثقة المتبادلة.
نظراً للمستقبل، ستواصل المبادرة دفع الدول نحو تحقيق تنمية وازدهار مشتركين على مستوى أعلى، مما يساهم بشكل أكبر في تعزيز السلام والتنمية البشرية. ومع دخول المبادرة مرحلة التنمية عالية الجودة، سيزداد تأثيرها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الصعيد العالمي. يجب على الجانبين الصيني والعربي اغتنام هذه الفرصة التاريخية لتعميق التعاون الشامل، ومواجهة التحديات العالمية جنبًا إلى جنب، والسعي معًا نحو “عقد ذهبي” جديد يكتب فصلًا مشرقًا في تاريخ الصداقة الصينية-العربية.