موقع متخصص بالشؤون الصينية

خاص “المدى” الصين توزّع رسائلها الاستراتيجية بحضور روسي ـ ايراني

0

في غمرة التطورات الدولية والإقليمية المتسارعة، وارتفاع منسوب التوتر الاميركي ـ الايراني “النووي”، تسرق العاصمة الصينية، بكين، الأضواء غداً، حيث يعقد اجتماع ثلاثي بین الصين وروسيا وإيران، علی مستوی وکلاء وزارات خارجية هذه الدول، لمناقشة الملفّ النووي الإيراني وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، في خطوة تعكس التحوّلات المتسارعة في الديناميكيات الجيوسياسية، وتنامي دور بكين كوسيط دولي رئيسي في القضايا الحسّاسة

وتأتي هذه المحادثات في سياق التوترات المستمرّة بين إيران والغرب، إلى جانب الجهود الروسية والصينية لمواجهة العقوبات، والضغوط الأميركية المتزايدة على البلدين. كذلك تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الدولية تصعيداً ملحوظاً في ملفات عدّة، لا سيّما في ما يتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني والتوترات في الشرق الأوسط، بعد تعثّر المفاوضات بين طهران والغرب حول إحياء الاتفاق النووي، وتزايد الضغوط الاقتصادية والعسكرية.

المتخصّص بالشأن الصيني، مدير “موقع الصين بعيون عربية” علي محمود ريّا أعرب عن اعتقاده بأنّ الصين وروسيا “تسعيان لتقديم إطار جديد للمناقشات بعيداً من التأثير الغربي، وخلق مساحات تفاوضية جديدة، تكون فيها بكين وسيطاً موثوقاً لإيران، خصوصاً وأنّ هذه المحادثات تأتي بعد مناورات مشتركة للبلدان الثلاثة تجري في إيران، وتتضمّن تدريبات بحرية مشتركة.”

واعتبر ريّا أنّ استضافة الصين لهذه المحادثات “تعكس عدّة رسائل استراتيجية، أهمّها تعزيز مكانة بكين كوسيط عالمي في القضايا الحسّاسة”، وإذ ذكّر بأنّ الصين “عملت على مدار السنوات الماضية، وبشكل متواصل، على توسيع نفوذها الديبلوماسي، وقد برز هذا التوجّه بوضوح عندما نجحت في التوسّط بين السعودية وإيران عام 2023، في اتفاق تاريخي أعاد العلاقات بين البلدين”، اعتبر أنّه “من خلال استضافة هذا الاجتماع الثلاثي، تؤكّد الصين مجدّداً بأنّها ليست مجرّد قوة اقتصادية، بل لاعب سياسي مؤثر قادر على التدخّل في الملفات الأكثر تعقيداً، وإيجاد حلول وسطية تحظى بالقبول من الأطراف المختلفة”.

وأوضح ريّا أنّ “العلاقات الاستراتيجية بين الصين وكلّ من إيران وروسيا، تُعدّ من العوامل الرئيسية التي دفعت إلى عقد المحادثات في بكين، ولطالما جمعت بكين وطهران شراكة اقتصادية وأمنية متينة، تعزّزت بشكل كبير منذ توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين لمدة 25 عاماً سنة 2021، في الوقت نفسه، ازدادت العلاقات بين الصين وروسيا متانة في ظلّ المواجهة المشتركة مع الغرب، حيث أصبح الطرفان يعتمدان على بعضهما البعض، لتعزيز مصالحهما الاقتصادية والسياسية في مواجهة العقوبات الغربية المتزايدة. وبذلك، تمثل بكين موقعاً مثالياً لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، من دون تدخّل غربي أو ضغوط ديبلوماسية من الولايات المتحدة وأوروبا.”

ad
وتابع ريّا:”إلى جانب ذلك، تأتي هذه المحادثات في إطار مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية المفروضة على الصين وروسيا وإيران، والتي دفعت هذه الدول إلى البحث عن طرق بديلة للتعاون، سواء من خلال إنشاء أنظمة تجارية ومالية بديلة، أو تعزيز التعاون العسكري والتكنولوجي، ومن خلال استضافتها لهذه المحادثات، ترسل الصين إشارة واضحة بأنها تسعى إلى ترسيخ استقلالها الاقتصادي والدبلوماسي بعيداً من النفوذ الغربي، كما أنها تتيح منصّة آمنة لحلفائها لمناقشة استراتيجيات مواجهة العقوبات”.

ولم يُسقِط ريّا “البُعد الاقتصادي والأمني الإقليمي الذي يدفع الصين إلى لعب دور نشط في هذه القضية”، مؤكّداً أنّ “استقرار الشرق الأوسط يُعدّ مسألة حيوية بالنسبة لبكين، نظراً لاعتمادها الكبير على النفط والغاز القادم من المنطقة”، ورأى أنّ “أيّ توتر في العلاقات بين إيران والغرب، أو تصعيد عسكري في الخليج، قد يؤثّر سلباً على المصالح الصينية، سواء في مجال الطاقة أو في مشاريعها ضمن مبادرة “الحزام والطريق”. وقال: “من هذا المنطلق، فإنّ رعاية بكين لهذه المحادثات لا تهدف فقط إلى تعزيز علاقاتها مع إيران وروسيا، بل أيضاً إلى ضمان استقرار إمدادات الطاقة وتأمين استثماراتها الاستراتيجية في المنطقة.”

وأضاف ريّا: “في الخلاصة، يأتي هذا الاجتماع الثلاثي في إطار تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الصين وروسيا وإيران، بهدف تنسيق المواقف في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني، كما يعكس اللقاء رغبة هذه الدول في مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية، عبر إيجاد آليات بديلة للتعاون الاقتصادي والسياسي.”

وفي ظلّ تسارع التطورات العالمية والتشدّد الأميركي المستمرّ تجاه كل من طهران وموسكو وبكين، توقّع ريا “أن تكون هذه المحادثات الثلاثية خطوة أولى ضمن سلسلة من التحركات المستقبلية لتعزيز التنسيق والتعاون بين هذه القوى، بما يضمن حماية مصالحها وتخطّي التحديات الكبرى التي تواجهها”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.