موقع متخصص بالشؤون الصينية

رسوم ترامب الجمركية وتفكيك النظام الاقتصادي العالمي

0

خاص موقع الصين بعيون عربية –
سامر محمد الحجات*:
اعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثاني من أبريل 2025عن فرض رسوم جمركية جديدة شاملة على مجموعة من الدول، أبرزها الصين، بنسبة 34% على وارداتها، إلى جانب رسوم إضافية على دول مثل فيتنام وليسوتو. هذه الخطوة، التي أطلق عليها ترامب اسم “يوم التحرير الاقتصادي”، أثارت موجة من القلق والارتباك في الأسواق العالمية، وأعادت إشعال المخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية جديدة في وقت حساس كان فيه الاقتصاد العالمي يحاول التعافي من سنوات من التباطؤ الاقتصادي. وبالنظر إلى هذه التداعيات، يمكن القول إن آثار هذه الرسوم الجمركية على الاقتصاد السياسي الدولي ستكون بعيدة المدى ومتعددة الأوجه.
في الأيام التي تلت الإعلان، أظهرت الأسواق المالية حجم القلق من هذه الخطوة الأمريكية. فقد تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 2200 نقطة في يومين فقط، ما أسفر عن خسارة تقديرية تصل إلى 6.4 تريليون دولار من القيمة السوقية. هذا الانخفاض الحاد يعكس حجم الذعر الذي أصاب المستثمرين، الذين كانوا يتوقعون أن تعود التوترات التجارية وأن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي. الرد السريع من الصين كان متوقعًا، حيث فرضت رسوماً جمركية انتقامية على جميع الواردات الأمريكية، واصفةً هذه الخطوة بـ “العدوان الاقتصادي”. لكن الصين لم تكن الدولة الوحيدة المتضررة؛ فقد أظهرت هذه الأحداث تصعيدًا سريعًا لعلاقات التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن هذا التصعيد يحدث في وقت يتنافس فيه العالم على الهيمنة على سلاسل التوريد الحيوية والتكنولوجيا المستقبلية، مما يزيد من خطر تحول هذا الصراع التجاري إلى مواجهات سياسية وجيوسياسية. التحذيرات من المنظمات الاقتصادية الدولية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) كانت واضحة، إذ أشارت إلى أن استمرار السياسات الحمائية من شأنه أن يؤدي إلى تباطؤ أكبر في النمو العالمي. وتوقع التقرير أن ينخفض النمو العالمي إلى 3.1% في 2025، مقارنة بـ 3.2% في العام الذي قبله. على الرغم من أن هذا التراجع يبدو طفيفًا، إلا أنه يعكس قلقًا هيكليًا من انخفاض التجارة العالمية، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع التكاليف على الشركات والمستهلكين على حد سواء.
من أبرز العواقب المباشرة لهذه الرسوم الجمركية، ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على المستهلكين الأمريكيين في قطاعات مثل الإلكترونيات، والملابس، والمواد الغذائية. ومن المؤكد أن ارتفاع التضخم سيضع ضغوطًا إضافية على السياسات النقدية في الولايات المتحدة، مما قد يُجبر البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة، وهو ما من شأنه إضعاف الاستهلاك المحلي والاستثمار، وهما المحركان الرئيسيان للاقتصاد.
وفي ظل تصاعد السياسات الحمائية من قبل الولايات المتحدة، قد تجد الدول المتضررة نفسها مضطرة لتعميق علاقاتها التجارية مع شركاء آخرين بعيدًا عن واشنطن. وهو ما قد يعزز من دور التكتلات التجارية الإقليمية مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) بقيادة الصين، أو يعزز التعاون بين الاقتصادات الأوروبية والآسيوية. في الوقت ذاته، استمرار الولايات المتحدة في تجاهل مبادئ التجارة الحرة يُهدد بدور منظمة التجارة العالمية ويقوض سلطتها في تنظيم العلاقات التجارية بين الدول.
من منظور أوسع، تشير هذه الرسوم الجمركية إلى تحول استراتيجي في السياسة الأمريكية، حيث لم تعد الولايات المتحدة تقود النظام التجاري العالمي كما كان الحال سابقًا، بل اتجهت إلى تبني سياسات قومية انعزالية. هذا التحول لا يقتصر على تعزيز الحمائية التجارية فحسب، بل يُضعف أيضًا الثقة بالنظام الدولي الليبرالي، مما يفتح المجال لقوى أخرى مثل الصين وروسيا لملء الفراغ وتعزيز نفوذها. ومن ثم، فإن هذه التحولات تعمق الانقسامات الجيوسياسية، مما يزيد من تعقيد التفاهمات الثنائية والمتعددة الأطراف بين الدول.
بالتأكيد، فإن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في أبريل 2025 هي استمرار لأجندة الحماية التي بدأها خلال ولايته الأولى، لكنها تحمل اليوم تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي. ورغم أن هذه السياسات قد تحقق مكاسب سياسية داخلية على المدى القصير، إلا أن التكلفة الاقتصادية والجيوسياسية لهذه السياسات على المدى البعيد ستكون مرتفعة. في نهاية المطاف، الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي العالمي في هذا العصر المتغير يتطلب تعزيز التعاون الدولي، وليس العزلة الاقتصادية.
عند النظر إلى المستقبل، سيجد صناع القرار في أنحاء العالم أنفسهم أمام واقع اقتصادي عالمي يتسم بزيادة التنافسية، والانقسام، والتقلبات. لذلك، سيكون من الضروري تطوير أطر جديدة للتعاون بين الدول بما يضمن الاستقرار الاقتصادي ويعزز من فرص الازدهار المشترك في ظل عالم أكثر تحديًا.

* باحث (علاقات دولية/ اقتصاد سياسي دولي)
– باحث دكتوراة في الاقتصاد السياسي الدولي/ مبادرة الحزام والطريق والتقارب السياسي الصيني مع منطقة الشرق الأوسط / جامعة العلوم الماليزية
– محاضر في جامعة لوسيل / دولة قطر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.