دفع الابتكار: قيادة التنمية الاقتصادية عالية الجودة للصين والدول العربية
خاص موقع الصين بعيون عربية –
ليو لي هوا (منى):
يمكن إرجاع التبادلات بين الصين والدول العربية إلى أكثر من 2000 عام، حيث ربط طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري بين الحضارتين الرئيسيتين في الصين والدول العربية. وصل الخزف والحرير الصيني، والاختراعات الأربعة العظيمة إلى المنطقة العربية، كما وصل التقويم الفلكي العربي والطب والفن إلى الصين. خلال أكثر من 2000 عام، تتواصل الصين والدول العربية مع بعضهما البعض، الحضارات مترابطة والاقتصادات متكامل بينهما مما يخلق فوائد هائلة لشعبي الجانبين.
واليوم، أقامت الصين والدول العربية بشكل جماعي شراكة استراتيجية من التعاون الشامل والتنمية المشتركة والموجهة نحو المستقبل. كانت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات عديدة. ارتفع حجم التجارة بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى أكثر من 400 مليار دولار أمريكي في عام 2024 ، بزيادة تزيد عن 10 مرات في 20 عاما. كما دخلت سيارات الطاقة الجديدة والأجهزة المنزلية والهواتف الذكية وغيرها من الصناعات الصينية إلى المزيد من الأسر العربية.
وفي الوقت الحاضر، وفي سياق التغيرات الجذرية التي تطرأ على الاقتصاد العالمي وفي خضم حالة جديدة من الثورة العلمية والتكنولوجية، تعمل الصين والدول العربية باستمرار على تعميق علاقة التعاون مع الابتكار باعتباره القوة الدافعة الأساسية. مع التركيز على تعزيز التنمية الاقتصادية عالية الجودة، شكل الجانبان تدريجيا نموذجا جديدا للتعاون القائم على الابتكار من خلال تعزيز التنسيق المؤسساتي والأمني، مما يدل على استراتيجية واضحة واستدامة مؤسسية. بينما تعمل الدول العربية بنشاط على تعزيز التحول والتنمية وتحسين الهيكل التجاري، تسترشد الصين بالابتكار العلمي والتكنولوجي لتعزيز المنفعة المتبادلة بين الجانبين في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي والطاقة الجديدة.
تتمتع الصين بمزايا كبيرة في تطبيق التكنولوجيا الرقمية وتكامل السلاسل الصناعية والتحول التكنولوجي، بينما لدى الدول العربية احتياجات قوية في تعديل هيكل الطاقة وإعادة بناء البنية التحتية الرقمية والتنويع الصناعي. ويواصل الجانبان تعزيز التبادلات التكنولوجية وتحقيق التحول في مجالات رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء والعلوم والتكنولوجيا الزراعية، وتحقيق مسار التعاون المتمثل في “جر الطلب، وتكيف التكنولوجيا، وتكرار التوطين” من خلال آليات متنوعة مثل مراكز نقل التكنولوجيا والمختبرات المشتركة ومنصات الحاضنة الصناعية، وتعزيز تحويل التعاون من الإنتاج أحادي الاتجاه إلى البناء المشترك التعاوني. وقد كسرت هذه العملية فعليا عنق الزجاجة المتمثل في “ضعف التكيف التكنولوجي” في التعاون التقليدي فيما بين بلدان الجنوب، وزودت الصين البلدان النامية بخبرة في مجال التعاون التقني قابلة للتكرار.
كما وأصبح الانفتاح المؤسسي داعما مهما لتعميق التعاون الصيني العربي. من خلال بناء منصات مؤسسية مثل منتدى التعاون الصيني العربي ومركز نقل التكنولوجيا الصيني العربي، بنى الجانبان في البداية إطارا للتعاون المؤسسي أكثر منهجية. وفي مجالات الاقتصاد الرقمي، والتمويل الأخضر، والمعايير الهندسية، وإصدار شهادات الأدوية، عززت الصين والدول العربية سلسلة من الابتكارات المؤسسية التي تعزز الاعتراف المتبادل بالقواعد والمعايير. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالإشراف على الأدوية، حققت إدارة الغذاء والدواء الحكومية الصينية وإدارة الغذاء والدواء السعودية اعترافا متبادلا بالعشرات من نتائج اختبارات الأدوية، مما يدعم بقوة التعاون متبادل المنفعة في مجال الصحة العامة. وفي مجال البنية التحتية، يتوسع نطاق تطبيق معايير الإنشاءات الهندسية الصينية في دول جامعة الدول العربية، مما يوفر ضمانات مؤسسية للتعاون في المشاريع بين الجانبين في مختلف المجالات مثل الهندسة. وفيما يتعلق بالتعاون المالي، أدى تنفيذ آلية المقاصة بالعملة الصينية في الدوحة ودبي إلى تعزيز مستوى التيسير المالي للتجارة والاستثمار الثنائيين. لا تعزز هذه الإنجازات المؤسسية استدامة التعاون فحسب، بل تمثل أيضا مرحلة جديدة من العلاقات الصينية العربية من “التعاون في المشاريع” إلى “بناء القواعد”.
وفي الوقت نفسه، يولي الجانبان أهمية كبيرة لمسألة أمن التنمية في تعزيز التعاون في مجال الابتكار. في مواجهة المخاطر الخارجية مثل إعادة هيكلة السلسلة الصناعية العالمية والاتجاه المتزايد للجيوسياسية التكنولوجية، عززت الصين والدول العربية استقلاليتها ومرونتها في مجالات التكنولوجيا الرئيسية من خلال بناء منصات مشتركة للبحث والتطوير وآليات الزراعة المشتركة للمواهب وأنظمة حماية الملكية الفكرية، وبناء آلية تعاونية تتسم تدريجيا بالأمن، وعلى وجه الخصوص، في المجالات الاستراتيجية مثل معدات الطاقة الجديدة والتكنولوجيا الحيوية الزراعية، وقد عزز الجانبان التنبؤ بالمخاطر المحتملة للاعتماد على التكنولوجيا والاستجابة لها، واستكشفوا مسارا للانفتاح والأمن للتعاون فيما بين بلدان الجنوب مع تعزيز الابتكار والتعاون.
كما أن التبادلات الثقافية والتعلم المتبادل بين الحضارات هي أيضا ركائز مهمة للتعاون الصيني العربي في مجال الابتكار. وقد بنى منتدى الإصلاح والتنمية الصيني العربي، الذي عقد منذ عام 2018، منصة تبادل رفيعة المستوى للجانبين في مجالات الحوكمة والإصلاح والتنمية والحوكمة الاجتماعية، وعزز فهم السياسات والاعتراف الاستراتيجي. كما اقترح المنتدى الخامس تعزيز التنسيق في المجالات الناشئة مثل الحوكمة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي وبناء الحضارة الرقمية، وتعزيز بناء “المركز الصيني العربي لمبادرة الحضارة العالمية”، وتوسيع تغطية مراكز الفكر والجامعات ومنصات التبادل الثقافي والشبابي، ودعم الابتكار والتعاون المتوجه إلى جميع قطاعات المجتمع والمجموعات عبر الأجيال، وتعزيز تشكيل صدى قيم متعدد الأبعاد وعميق الجذور.
بشكل عام، يمر التعاون الصيني العربي في مجال الابتكار بمرحلة حاسمة من التحول من المشاريع إلى التمكين المؤسسي، مع الإثراء المستمر وتحسين الآليات والتشكيل التدريجي للنظام. وفي المستقبل، سيواصل الجانبان تعميق التعاون في مجالات رئيسية مثل الابتكار العلمي والتكنولوجي، والالتحام المؤسسي، والأمن والتبادلات الثقافية، وتعزيز توسيع التعاون الابتكاري من المستوى التقني والاقتصادي إلى مستوى القيمة الحضارية، وتسريع بناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك للعصر الجديد. ولن يساعد ذلك على تعزيز المستوى الاستراتيجي للتعاون الصيني العربي فحسب، بل سيضخ أيضا حيوية وتوجها جديدين في التعاون العالمي فيما بين بلدان الجنوب العالمي وهيكل الحوكمة العالمي.
ليو لي هوا (منى)، باحثة في جامعة صون يات سين، أمينة عامة في معهد الدراسات الإقليمية والدولية بجامعة صون يات سين