موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين من القوة الصلبة إلي القدرة الناعمة

0

ChinaFlag3
بوابة الأهرام المصرية:
د‏.‏ السيد أمين شلبي:
كان عالم السياسة الامريكي جوزيف ناي هو الذي صاغ مفهوم‏’‏ القوة الناعمة‏’,‏ مقابل مفهوم القوة الصلبة‏,‏ وكان يقصد بمفهوم القوة الناعمة‏,‏ القدرة علي أن تجعل الغير يفعل ما تريد بفعل ما تملكه من قوة ناعمة تتمثل في النموذج الثقافي والحضاري والقدرة التكنولوجية والعلمية ونظام الحياة الجاذب‏,‏ وقد روج جوزيف ناي لهذا المفهوم تحت تأثير ما رآه من اعتماد إدارة بوش الابن علي مفهوم‏’‏ القوة الصلبة‏’‏ باستخدامها المفرط للقوة العسكرية‏,‏ وتجاهلها لما تمتلكه الولايات المتحدة من عناصر ومقومات قوة أخري لا تقل تأثيرا وهي القوة الناعمة‏.‏

غير انه في زيارة أخيرة الي الصين, وجدت أن الأدبيات الصينية تناقش مفهوم’ القوة الناعمة’ ولكن من منظور صيني, وتناقش كيف يمكن دعم القوة الناعمة الصينية واعتبار أن التركيز علي هذه القوة وتطويرها يجب أن يكون أحد الاستراتيجيات الرئيسة للصين في عصر العولمة, غير أن ما يلفت النظر في هذه المعالجة وفي سؤالها عن كيفية تنمية القوة الناعمة الصينية قولها: أن نقطة البداية في هذا يجب أن تبدأ من حيث فشلت الولايات المتحدة استخدام قوتها الناعمة من حيث استخدامها في بناء’ الامبراطورية الامريكية’ في العالم, وعلي العكس من هذا فان الصين يجب ألا تتبع الولايات المتحدة في التعامل مع النظام العالمي, وبدلا من هذا يجب أن تنظر الي’ التعددية الديموقراطية والفعالة’ باعتبارها الهدف الذي تنشده, وفي هذا فان علي الصين أن تعارض’ سياسات القوة’ القديمة, وان تؤسس لـــ’ سياسة دولية جديدة’. وانطلاقا من دفاعها في السنوات الأخيرة عن’ ديموقراطية العلاقات الدولية’, فان الصين يجب أن تواصل هذا الطريق لكي يكون مصدر قوة الصين الناعمة وأن يتوازي مع ذلك إسراع الصين بعملية إصلاحها الشامل والداخلي بما في ذلك إصلاح نظامها السياسي وتنمية سياساتها الديموقراطية ولكي تصبح اكبر بلد ديموقراطي بسمات اشتراكية. ولأن السياسات الديموقراطية هي افضل ادارة لتطوير القوة الناعمة, فان اكبر مصدر لقوة الصين الناعمة هو مصادرها البشرية الغنية ولكن الصين تحتاج لحكم الشعب والنظام الديموقراطي لتحويل المصادر البشرية الي قوة ناعمة.
وفي مناقشة تطوير مصادر القوة الناعمة تعتبر هذه الأدبيات أنه من الضروري في أقرب وقت ممكن تحويل عدم التوازن بين الاقتصاد والمجتمع, والتأكيد علي التنمية الإجتماعية والعدالة الاجتماعية حتي يمكن دعم الحيوية الاجتماعية والتماسك وتحييد عدد من الاتجاهات الخطرة التي ظهرت نتيجة للتحول الاجتماعي في الصين مثل أزمة الشيخوخة, وأزمة الإجرام, وأزمة المناطق الريفية, والأزمة الأخلاقية.
في هذا السياق توصي هذه المناقشات بأهمية توجيه أكبر اهتمام للتعليم, فاذا لم يكن لبلد ما دعم ثقافي من جامعات من الدرجة الأولي, وأن توقفت عن تقديم أفكار جديدة, ومعرفة ومعلومات وشعب موهوب, فان مثل هذا البلد لن يكون إلا علي مستوي متوسط أو منخفض في النظام الدولي لتقسيم العمل, فالجامعات يجب أن تكون هي مكان ميلاد القوة الناعمة والمعرفة والأفكار الجديدة والأساليب الجديدة التي لا تنعكس فقط علي الاقتصاد ولكن بشكل اكبر علي السياسة والقوانين والثقافة.
واذا كنا قد تحدثنا عن’ القوة الناعمة’ الأمريكية والصينية, فان هذا لابد أن يستدعي الحديث عن’ قوة ناعمة’ مصرية؟. والواقع انه في العصر الحديث استمدت مصر مكنتها في العالم العربي من خلال ما يمكن أن يكون المكونات الاساسية للقوة الناعمة التي تمثلت في علمائها ومفكريها ومثقفيها وفنونها من أغان وأفلام ومسارح, ومن جامعاتها التي تخرجت فيها أجيال من المتعلمين العرب ومن فقهائها الذين وضعوا الدساتير والنظم الإدارية للمجتمعات العرية, واذا كانت هذه العناصر قوة إشعاع وجب لمصر في منطقتها وعلي الرغم مما يقال من أن هذه العناصر قد ضعفت إما لتراجع المستويات المصرية أو لظهور منافسين لها, إلا أن الثقافة المصرية بكل مقوماها لا تزال من أهم أرصدتها, ولاتزال مكوناتها حاضرة ومؤثرة في المحيط العربي, والثقافة العربية, غير أن المحافظة عليها ودعمها يحتاج الي جهد كبير.
واتصالا بذلك فان النقاش الصيني حول دعم القوة الناعمة الصينية إنما يتصل بناقشنا المستمر حول’ القوة الناعمة’ المصرية, فقد لاحظنا أن هذا النقاش ينبه الي دور الجامعات وأهمية احتفاظها بمستوي متميز وإنها مصدر الأفكار الجديدة والمعرفة الجديدة ودونها لا تحظي البلاد الا بمستوي منخفض في تقسيم العمل الدولي, أما النقطة الأخري فهي اعتبار أن المصادر البشرية الغنية هي أساس القوة الناعمة ولكن بشرط تعبئتها وحسن إدارتها وتنظيمها وتديرها وجعلها أكثر كفاءة, أما الملاحظة الثالثة التي توحي بها المناقشات الصينية حول’ القوة الناعمة’ فهي الاشارة الي الثقافة التقليدية ودعوتها الي انكار الجوانب السلبية في هذه الثقافة, وهو نفسه ما نحتاجه مع تراثنا الثقافي وتنقيته من أبعاده وعناصره السلبية وهو ما دعا إليه الكثير من مفكرينا المتنورين ومن أبرزهم مفكرنا زكي نجيب محمود في دعوته لتجديد الفكر العربي.
*عضو المجلس المصري للشئون الخارجية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.