موقع متخصص بالشؤون الصينية

لقاء النقيضين! (العدد 62)

0

الأكادِيمي مروان سوداح*
عنوان هذه المَقالة تأكّد خلال العدوان الأمريكي على سورية، بل وقبل ذلك بوقت أيضاً. إلاّ أن شروع الإدارة الأمريكية الجديدة بضرب دولة مُستقلة بسبب حربها على الإرهابيين، يُشكّل صَفعة مؤلمة للقانون الدولي، يَقترفها الرئيس ترامب الذي لم يُكمل بَعد ثمانين يوماً في مقعده الرئاسي.
الفضائية الروسية (بلانيتا – RTR) رأت في برنامجها الحواري، الجمعة07 أبريل، أن قصف سورية جاء “مَضبوطاً بدقّة” على الوقت الذي إجتمع فيه الزعيم (شي) مع ترامب، إذ إحتفى “الأمريكي” بضيفه بطريقته الأمريكية، بترتيب “إطلاق ألعاب نارية ضد سورية!”، “أرادها ترامب صَفعةً قوية للصين”!
ويُضيف المُحلّلون السياسيون الروس، إن ما اقترفه ترامب من قصفٍ غير مُبرّر لسورية وفي حضرة الزعيم الصيني، يُعدُ فِعلاً مناقضاً للبروتوكول الدبلوماسي – وهو الأسوأ الذي تم اقترافه أمريكياً، وإهانة لدولة كبرى وللأمة الصينية، والصين لن تغفر بالتأكيد هذه الفِعلة للأمريكيين، إذ أنهم أفسدوا أجواء زيارة الرئيس (شي) إلى أمريكا. من جانبها قالت أليسا رومانوفا – مراسلة هذه الفضائية الروسية لدى الصين، إن ردود الأفعال الصينية الرسمية على هذه الفِعلة الشنعاء جاءت بصيغة دبلوماسية ومُتّزنة، كعادة التصريحات الصينية الموزونة والمَحسوبة بدقة.
والمُلاحظ في توقيت الضربة الصاروخية للمطار العسكري السوري في محافظة حمص، حُدوثها خلال لقاء الرئيسين، اللذين يُمثلان عالمين نقيضين سياسياً وأيديولوجياً، والضربة توجّه رسائل سياسية خطيرة منها، التلويح بهرواة (العم سام) التاريخية، و”فعاليتها”، وبأنها قد تُرفع بوجه الجميع وبضمنهم الصين أيضاً، تناغماً مع الهجمات الترامبية المتلاحقة على هذه الدولة خلال حملة ترامب الانتخابية. فمرتكزات ترامب هي ذاتها الاستراتيجية الاستعمارية الأمريكية التي تستمرئ اعتبار الصين والعالم “مجال أمريكا الحَيوي!”، وكذا الأراضي المحيطة بالصين، برغم بُعدِها الكبير عن القارة الأمريكية!
الضربة الأمريكية لسورية تتجيش بأهداف عدائية مُبَاشِرة، منها إعادة الصين إلى سابق عهدها بعد التحرير كَـ “دولة إقليمية” فقط، وتفتيت سورية وبسط نفوذ الغرب عليها وتكريس ذلك، وإخراج الصين وروسيا من كامل أراضي هذه الدولة العربية والمنطقة المُحِيطة بها، وحرمان موسكو وبيجين من الفضاءات الإستراتيجية الدولية، وشل تأثيراتهما عليها، ما يُفضي لعرقلة المُبادرة الصينية “الحزام والطريق”، ويُدخِل الصين وأمريكا في مُواجهة مُستقبلية مُحتملة، بخاصة في البحرين الجنوبي والشرقي و”الشرق الأوسط” المُسيطر عليه أمريكياً.
شخصياً، لا أرى في لقاء فلوريدا للزعيم الحَكيم (شي) وترامب – قائد الإمبريالية الأمريكية المتأبطة شراً – أيّة “إيجابيات مِفصلية” للصين.
ليس سِرّاً أن مُخطّط ترامب هو تسعير حرب تجارية مع الصين، فقد اقتراح فرض رسوم جمركية على منتجاتها بنسبة 45%، بهدف إضعافها في السوق الأمريكي الذي يعتمد على الصادرات الصينية بدرجة كبيرة، ما يَعني مُحاولة طفولية لتلويث فضاء العلاقات مع الصين، تقييداً للدولة الاشتراكية بأصفاده. لذلك، أعتقد أنه لن يتم الآن وفي المستقبل الاتفاق صينياً وأمريكياً على تسوية نهائية للملفات “الشائكة جداً”، التي منها مواقف البلدين اللامُنسجمة حِيال كوريا الديمقراطية، وتايوان، والتجارة البَينية، والبحرين الشرقي والجنوبي، ومجموعات الجُزر الصينية فيهما.
ترامب إلتقى (شي) في أجواء ما قبل وما بعد رئاسية، وجُلّها استفزازات متصلة ولا تتسم باللباقة والدبلوماسية، فشخصيته تتسم بالعنجهية والفجاجة والعنصرية والأوامرية، بينما حافظ (شي) كعادته على ضبط النفس برغم مُخططات واشنطن حصار الدولة الصينية الجبّارة بحراً وبرّاً، ونَصب مختلف أنواع الصواريخ بمواجهتها، وبناء القواعد العسكرية جِوار الصّين التي تبقى مستقرة وتحسب نقلاتها السياسية والإقتصادية والعسكرية وتصريحاتها بدقّة متناهية، وذكاء خارق مُستمدٍ من حضارة كونفوشيوس، وقواعد “ماو”، وَصلابة شخصية “شي” الفولاذية.
لقاء الرئيسين لا يَعني انفِراجاً نهائياً لعلاقات بلديهما، ولا تبريداً لحَمَأة الاندفاعة الترامبية ضد الصين، ذلك أن ترامب يَرى في السياسة الدولية لُعبة أطفال وفي نفسه مديراً بطّاشاً بموظّفيه، يَمحو نهاره تصريحات وقرارات ليله، فغدا وحالته المَرضية هذه مديراً لرأسمالية دولة تسترشد بمراهقة طفولية يَمينية.
في تحليلي لشخصية ترامب، ضياعه “بين نارين”، وخَوضه صراعاً بين جهتين: الأولى للحفاظ على مكاسبه التجارية الشخصية المُتحصِّلة من الصين؛ والثانية ضرورة انصياعه للمصالح الكونية للمَجمع الصناعي العسكري. لذا، نلمس في تصريحاته انتقامية طفولية، وعشوائية وتأرجحات و”إطلاقية” يتّسم بها عادة الرجل الجديد العهد بالسياسة وطرائق تحصيل المكاسب الشخصية.
في المقابل، يتضح في أهداف (شي) تبريداً للمواجهات ومحاولةً لتأجيلها الى حين تغيّر شروط اللعبة الدولية ودُنو حَسمها النهائي لصالح الصين من خلال تفعيل قوى نصف العالم، التي هي تحالف المعسكر الصيني الروسي وبريكس.
ختاماً، لقد حاول (شي) جهده لتليين المراهقة الترامبية بتقديمه مكاسب مشتركة، وعروضاً تفضي لِـ “تحريك تويتر”، وتجسيرات تجارية واستثمارية توظّفها الصين عادةً للتطبيع مع “الآخر المُتصلّب”، ووعود باستحداث وظائف في أمريكا تصب في صالح ترامب وناخبيه والشعب الأمريكي، ما قد يُفضي لتذويب الجُمود الترامبي وإحداث انفراج عالمي.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.
** المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.