موقع متخصص بالشؤون الصينية

مؤتمر الدولة الأعظم

0

صحيفة الديار الأردنية:
م. يلينا نيدوغينا*:
مئات الملايين من البشر، وألوف الأحزاب السياسية في العالم تولي إهتماماً غير محدود لإنعقاد المؤتمر “الـ18″ للحزب الشيوعي الصيني في بكين، المقرر افتتاحه في الثامن من نوفمبر الحالي.

ومن الواضح أن مرد الإهتمام بالمؤتمر الصيني العتيد هو أن الحزب الشيوعي الصيني قد غدا أكبر الأحزاب قاطبة على وجه الأرض، كما وأنه حزب قائد ورئيس للدولة العظمى الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ولأن الشعب الصيني يثق بالحزب ولن يتخلى عنه وعن برامجه وسُبله ذات الألوان الصينية الى تقدم المجتمع الصيني. والتمسك بالحزب يَعني للصينيين صَغيرهم قبل كَبيرهم، أن يصبحوا هدف الإهتمام الدولي الأول. إذ ستصبح الصين الشعبية خلال العشر سنوات المُقبلة الأُولى إقتصادياً وجبروتاً دون منازع، وبالتالي عسكرياً وتأثيراً سياسياً ودبلوماسياً وتكنولوجياً. ومن المُنتظر أن لا تكون قرارات المؤتمر ذات أولوية صينية فحسب، بل وأن تتعداها الى تلك الدولية ومراكز صنع القرار السياسي في قيادات البلدان الكبرى والنامية على حد سواء، سيما وأن مقررات مُمثِلين الحزب للقوميات الصينية الـ56 في الأقاليم والمناطق الصينية المختلفة لن تقتصر على الأوضاع الداخلية، بل ستولي إهتماماً كبيراً لعلاقات الصين الأممية، خاصة في المنطقة العربية، التي تشهد تكالباً وهجمة دولية تستهدف إخراجاً قسرياً للأصدقاء الصدوقين للعرب على مِثال الصين، تمهيداً لفصل العرب عنوة، واقعاً ومعنوياً عن حليفيهما الإستراتيجيين بكين وموسكو، تسهيلاً لإلحاق العرب بالمعسكر المُعتَدي على حقوقهم والمنافح عن دويلة إسرائيل، والضامن لوجودها وعدواناتها المتواصلة على سورية الأبية والعظمى والبلدان العربية شعوباً ومستقبلاً.
المؤتمر سينتخب قيادة سياسية جديدة للحزب وبالتالي للدولة الصينية، وسيتم تبعاً لذلك ضخ دماء جديدة في الحزب والدولة تعمل على تجديد شبابها، ومدها بسُبل متجددة لرفع مستواها وقدراتها على المنافسة الدولية، وشغل مكانتها الجددية المأمولة كدولة أولى للعالم وفيه، يتولى قيادتها شباب الصين وأصحاب الخبرات اسلياسية والاقتصادية فيها، بحيث تتمكن في حقبة زمنية قصيرة من احتلال مكانتها القيادية تحت الشمس، فتسجل ما لم يسبق للدنيا تسجيله في موضوعة تطويع الزمان والمكان وتقصير فترات التنمية والرخاء، وتسريع تنمية العلوم وتفعيلها في المجتمع وانتشارها فيه.
التصريحات التي يُطلقها المواطنون الصينيون لوسائل الإعلام الصينية والأجنبية، على هامش المؤتمر، تُظهر على نحو جلي رغبتهم في تسريع تنمية روابط بلادهم مع الدول والأمم الأجنبية، وجعلها في موقع استراتيجي وغير قابل للطي، وهنا تلعب زيارات القياديين الصينيين الى دول العالم دوراً متقدماً للحفاظ على هذه العلاقات ومدّها بالديمومة من خلال تقريب الصين الى الشعوب، وتقصير المسافات المُبعِدة لها عنها، لذا أصبحنا نرى أن قادة الصين يتجولون بصورة متواصلة بين دول العالم، رغبة بإعلاء مركزية بلادهم في أعين الشعوب، مستعينين بدبلوماسية نشِطة توظّف المَعَارف والثقافات والصداقة مع الآخر.

فخلال العشر سنوات الأخيرة، تميّزت الدبلوماسية الصينية بحِراكات دولية مضاعَفة شملت جميع دول العالم تقريباً. والمدهش حقاً في الدبلوماسية الصينية المُعَاصِرة أن بكين تولي إهتمامها الكبير للدول الصُغرى والنامية، ولتلك الدول التي تعترض سُبل تقدمها مشكلات عويصة اقتصادية وإنسانية. لذا نرى الصين تعمل بنشاط على إنهاض هذه الدول من عَثراتها ومستنقعاتها، فتوطّن فيها التكنولوجيا الصينية، وتدرّب الكوادر الوطنية لديها لتحل محل الصينية، فتحقّق الدولة المتأخرة قفزة الى الأمام بدون إملاءات وشروط تعجيزية تطرحها عادة الدول الكبرى الرأسمالية أمام الدول الأفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية، رغبة بتحجيم انطلاقة دول تلك القارات وبهدف وقف مزاحمتها لرأس المال الأمريكي و”الغربي” إقتصادياً وجيوسياسياً.

وفي المجال المحلي، اجترحت الصين سياسة شعبية تتساوق مع مِثالها التاريخي المتِصل، فتبنّت مفهوم التنمية العلمية الذي اعتمده الحزب الشيوعي الصيني، وبضمنه نظرية “الدبلوماسية العامة من أجل الشعب ووضع الإنسان في المقام الأول”، وهي نظرية تهيمن اليوم على النشاط الدبلوماسي الصيني في العالم وفي “الأعمال” الدبلوماسية لسفاراتها لتكون مُرشِداً له. وقد أكدت الصين أن هذه النظرية إنما تصب في مصلحة بعض الدول المجاورة لها، وهي دول تتسم بعدم الاستقرار السياسي والإقتصادي واللاأمان الحياتي لسكانها حتى. لذا تريد الصين لعب دور لإسباغ الاستقرار على الدول المجاورة لها يضمن استقرارها هي، وتطورها السلمي “الناجز”، وهنا تُطرح على بساط البحث المعمّق مسألة تنمية الصين ومناطقها كافة وبصورة متوازية ومتناغمة ومتسقة والواقع العام للصين، مع إيلاء المناطق الغربية والإسلامية والأقل تنمية والفقيرة اهتماماً أكبر.
لقد مرّت الصين بعدة مراحل في تاريخها التنموي الإقتصادي والإنساني: وهي مرحلة الحشد الجماهيري فالتحرر والإستقلال الناجز؛ ومرحلة التوعية وتثبيت السيادة والذات الصينية على أرض الواقع الصيني وتقديم المقترحات العملية لإستعادة الأراضي الصينية المنتزعَة بالقوة من الوطن الأُم والبَر الرئيسي؛ والمرحلة الثالثة والأخيرة هي وضع سبيل ثابت للتنمية الفكرية والعملية في المجالات كافة مع نشر الوطنية الصينية أولاً على أوسع نطاق، وجعل الدبلوماسية الصينية “عامة” في متناول الشعب، يَحكم عليها وبها، والإرتقاء بدور الصين الدولي وشَغل مرتبة الدولة العُظمى الحاملة للخصائص الصينية التاريخية المتراكمة دون اجتزاء.

*كاتبة، وعضو مجلس إدارة الإتحاد الدولي للصحفيين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.