موقع متخصص بالشؤون الصينية

في الدولتين الشعبيتين الجزائرية والصينية

0

Algeria-China-flags

صحيفة الديار الأردنية ـ
مايا الميسمي القاضي:

تعتبر العلاقات الجزائرية الصينية قوية للغاية ووطيدة، بل يذهب بعض المحللين السياسيين والمتابعين الصُحفيين والملاحظين والمهتمين الى وصفها بأنها أقوى علاقات على الإطلاق بين جمع العلاقات التي يمتلكها العرب مع الصين. لكن هؤلاء يختلفون فيما بين بعضهم بعضاً في الاسباب التي أدت الى ان تكون هذه العلاقات الأرقى والأمتن والأكثر إنتاجاً سياسياً ودبلوماسياً، بل وربما صناعياً أيضاً، وليس في نهاية المطاف والصِلات إنسانياً أيضاً. فجذور العلاقات بين بكين والجزائر تعود الى زمن سابق وبعيد.. الى ما قبل تحرير الجزائر وتأسيس الدولة الديمقراطية الشعبية، فقد أيّدت الصين الشعبية نضال الشعب الجزائري وكفاحه المشروع من أجل تحرير وطنه وسيادته ورفعته وحياة فضلى لأبنائه، وساندت بكين قولاً وفعلاً جبهة التحرير الوطني الجزائرية، مما أرسى قاعدة حقيقية وصلبة للتعاون الذي تم تكريسه أبدياً. وخلال السنوات الاخيرة، تعرض التعاون بين الصين والجزائر في المجالات السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والصحي الى تجارب زمنية، فأضحت تتعمق بإطراد وبلاانقطاع، فانتقلت الى طور الازدهار الحقيقي.

العلاقات التقليدية التي ربطت للصين والجزائر علاقات صداقة تقليدية وكفاحية يفاخر بها البلدان. ففي خمسينات القرن الفارط، أيّدت الصين حرب التحرير الوطني الجزائرية لاستئصال المستعمرين من تراب وطننا، إذ كان ذلك في ظل ظروف صعبة واجهتها الجزائر خلال تطورها الذاتي. وفي سبتمبر من عام 1958، وبعد ثلاثة أيام فقط من تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة المُناهِضة لفرنسا إعترفت الصين بها، وبذلك أصبحت بكين إحدى الدول التي ارست العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر في وقت مبكر جداً. وفي ابريل من عام 1963، عندما لم يمضِ على استقلال الجزائر سوى القليل، سارعت الصين الى ارسال أول فريق طبي الى الجزائر، يُعد الاول من نوعه الذي ارسلته بكين الى افريقيا أيضاً. ومنذ ذلك العهد، ابتعثت الصين الى الجزائر عشرات الفرق الطبية، التي عمل فيها ألوف الاطباء والممرضات والممرضين، وقدمت الصين مساهمات فى تطوّر القضية الطبية الجزائرية، وانقاذ الجزائريين ليس من ألغام فرنسا التي زرعتها في أرض الجزائر لتقتيل الشعب الجزائري وإلحاق الإعاقات الجسدية به فحسب، بل وعملت على بذر الاطباء والممرضات الصينيين في ارضنا، فكان هؤلاء بذوراً للصداقة الاكثر إثماراً بين الجماهير الشعبية متحدين بروح نضالية وإنسانية تتحدى المتاعب والاخطار، ونبراسها مداواة العلل والقضاء على الامراض وانقاذ المرضى ورسم الابتسامات على شفاههم.

سبقت الجزائر كل الدول العربية للاعتراف بالصين الشعبية واقامة العلاقات معها، فشكل ذلك دعوة واقعية للدول العربية لتحذو حذو الجزائر، ولتفتح أبوابها امام الصين حين كانت امريكا تعمل على تشويه سمعة النظام الصيني الذي نفض عن بلاده غبار الاستعمارين الغربي والياباني، فارسلت الصين الى الجزائر فريق إغاثة عقب وقوع زلزال في الجزائر، وكان هذا الفريق هو الاول ايضاً الذي ترسله الصين إلى الخارج.. ففي العلاقات بين الجزائر والصين يكون كل شيء بينهما أولاً، ثم ينتقل بدوره من خلال البوابات الجزائرية الى البلدان العربية الآخرى. وفي المجال الدبلوماسي ومناصرة الصين وشرعية تمثيلها للبر الصيني بأجمعه، ظلت الصين والجزائر تتفاهمان وتؤيدان بعضهما البعض بكل قوة على الصعيد الدولي، وكانت الجزائر هي الاولى والسبّاقة الى هذا المجال لدعم وحدة الصين الجغرافية والجيوسياسية. وفي سبعينات القرن السابق، كانت الجزائر واحدة من دولتين (البانيا)، اللتان قدمتا المقترحات الحاسمة والحسّية لتسليم الصين مقعدها الشرعي في المنظمة الاممية، في مواجهة انفصالية تايوان ومن يدعهما من وراء المحيط علناً وسراً.

في الجزائر تعمل حالياً عشرات المؤسسات الصينية الكبيرة في كل مجالات الاستثمار والتجارة والاقتصادي، ويمتد عملها الى تخصصات مختلفة منها الطُرق والإسكان والإتصالات السلكية واللاسلكية والطاقة والري والمواصلات، وقد غدا الفندق الذي ساعدت الصين في بنائه عمائر ترمز لعاصمة الجزائر الحديثة، أما الطريق السريعة الواصلة بين شرقي الجزائر وغربيّها فيعتبر شريان المواصلات الرئيسي للجزائر، وهو كذلك الطريق المحوري الاستراتيجي للدول الشمال افريقية. في مجال آخر، تركّز وسائل الإعلام الصينية على نشر المواد الصحفية عن الجزائر والعلاقات معها، لذا فإن القارئ يستطيع الوصول الى المعلومات المطلوبة له عن هذه العلاقات بسهولة كبيرة، خاصة من خلال القسم العربي لإذاعة الصين الدولية وموقعها على الإنترنت، فقد تأكد لي بأن مديرة القسم العربي للإذاعة السيدة الصينية “فائزة تشانغ لي” تجهد في سبيل تكثيف هذا النشر، سيما لوجود أصدقاء كثيرين ومنتديات للاذاعة في الجزائر والدول العربية الأُخرى، كذلك هو الأمر بالنسبة لكادر الإذاعة، ومنهم الإخوة العرب، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم الخبير الإذاعي الكبير والضليع في شؤون الصين والبلدان العربية والذي يُشار إليه عربياً وصينياً بالبنان، الأُستاذ أسامة مختار، وهو من السودان الشقيق.

وبهذه المناسبة أرى بأنه من المهم بمكان لي تقديم الشكر للقيادة الصينية العزيزة وللإذاعة الصينية الموقرة ومديرها العام الجزيل الإحترام السيد وانغ قنغ نيان، كما ومديرة قسمها العربي المستعربة السيدة “فائزة تشانغ لي”، وعملاق الخِبرة والصحافة السيد “أُسامة مختار” لعملهم الدؤوب والموصول في مجال تعزيز الصِلات العربية الصينية في حقل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي.

العلاقات الجزائرية الصينية إستراتيجية وهي الاقوى بكل المقاييس، وهو الوصف الذي رسى في الأدبيات السياسية للبلدين، وهو الذي كرره زعيما البلدين فخامة الرئيس الصيني “هو جين تاو” وفخامة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خلال زيارة سابقة للرئيس الصيني الى بلادنا، التي ستبقى مفتوحة مصاريعها أمام الصين، ومُشرَعةً أبوابها لبكين، وسبيلاً للدولة الصينية الشعبية من دولتنا الجزائرية الشعبية إلى نجيع قلب وكل أطراف افريقيا الواسعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.