موقع متخصص بالشؤون الصينية

التمدد الصيني الصامت!

0

ChinaFlag2
صحيفة الاتحاد الاماراتية:
شكل صعود الصين كقوة اقتصادية كبرى على الصعيد العالمي فرصة لظهور كتابات متعددة تحاول فهم هذا الصعود وتداعياته العالمية، لاسيما في ظل المخاوف التي أبداها الغرب من احتمال منافسة الصين لزعامته الدولية ومزاحمتها لدوره في قيادة العالم. ومن تلك الكتب التي تسعى لفهم القوة الصينية الصاعدة كتاب «جيش الصين الصامت: الرواد والتجار والعمال الذين يعيدون تشكيل صورة بكين»، والذي نعرضه هنا، لمؤلفيه خوان بابلو كاردينال وهيربيرتو أروخو، الصحفيين الإسبانيين اللذين عملا لفترة طويلة في الصين، وحاولا تجميع عصارة تجربتهما في كتاب يسلط الضوء على بعض مظاهر التمدد الصيني في العالم وتأثيره على الاقتصاد المحلي للدول، سواء في أفريقيا أو أميركا اللاتينية أو غيرها من المناطق. فالصين حسب المؤلفين لم تكتفِ بتصدير منتجاتها المتنوعة، الرخيصة منها أو الغالية، التي اجتاحت الأسواق العالمية، بل تقوم أيضاً بتصدير عمالها ومواطنيها الباحثين عن فرص للعمل والاستثمار في دول وبلدان بعيدة لا يجمعها شيء مع الصين عدا الرغبة في الاستفادة من أسواقها وطبقاتها الوسطى المستهلكة، وأيضاً الانتفاع بما تزخر به أراضيها من ثروات، سواء أكانت معدنية تستخرج من باطن الأرض، أم غابات يتم استغلال أخشابها.

والعديد من العمال الصينيين يواجهون ظروفاً صعبة في أماكن الاستقبال الجديدة، لكنهم يتأقلمون بسرعة، وينخرطون في الدورة الاقتصادية للبلد، فيما ينجح البعض في تنمية تجارتهم وإقامة مصانع تعتمد على المواد المحالية الخام، بينما تشتغل أكثرية الصينيين في التجارة البسيطة مستقدمين السلع الرخيصة من بلادهم. ويفاجأ الزائر للعاصمة السنغالية داكار بوجود منطقة تجارية خاصة بالصينيين أقاوموا فيها مئات المحال الصغيرة التي تبيع البضائع المستوردة من الصين، إلى درجة أن السنغاليين أطلقوا اسم شارع «ماو» على المنطقة، أما في دبي، يقول المؤلفان، فقد تم إنشاء «مول التنين» الصيني الضخم الذي يضم أربعة آلاف محل تجاري.

لكن، وباستثناء العنصر البشري المتنقل الذي تصدره الصين إلى بلدان العالم، هناك أيضاً الشركات الصينية الحكومية الكبرى التابعة للدولة التي تبحث عن أسواق وفرص للاستثمار، والتي باتت المستثمر الأول في مناجم النحاس بجمهورية الكونجو الديمقراطية، كما أنها تستثمر في مد خطوط نقل الغاز في تركمانستان… بما يجعل الصين، حسب المؤلفين، أخطبوطاً بأذرعه الممتدة إلى مناطق العالم بأسره، سواء كسوق لتصريف منتجاتهاا أو مورد للمواد الخام.

بيد أن الصين لا تقتصر في علاقاتها مع الدول الأفريقيةا وغيرها من البلدان على استخراج المعادن وشحنها إلى الصين لتصنيعها في المعامل الضخمة، بل تعمد أيضاً إلى البناء والإعمار في تلك الدول. وهنا يشير المؤلفان إلى «دبلوماسية الملاعب»، حيث تقدم الصين هدايا للدول الأفريقية تتمثل في تشييد ملاعب كرة القدم، وبعض المرافق الحيوية الأخرى.

هذا التمدد الصيني في العالم ينظر إليها الكتاب بنوع من الريبة والتشكك، إذ بجانب العلاقات التجارية التي تسعى الصين لتنميتها، تعمد بكين إلى إقامة مشاريع مثيرة للجدل، مستفيدة من خيرات الدول بأقصى ما يكمنها ذلك، لا يهمها إن حافظت على البيئة أو دمرتها. وذلك ما دفع بعض البلدان إلى تغيير وجهتها حيال النموذج الصيني في التنمية والقائم على تحقيق معدلات نمو مرتفعة، إلى الاهتمام بالتنمية المستدامة. فقد تخلت ميانمار عن الاستثمارات الصينيةا بعدما أدركت أن ثرواتها من الغابات باتت في خطر بسبب الاستنزاف المفرط للشركات الصينية، والتي لا تقيم وزناً لحقوق العمال. ولعل الحوادث المتكررة في بعض البلدان الأفريقية، مثل جنوب إفريقيا مؤخراً، تشهد على ذلك، حيث يتمرد العمال على الشركات الصينية بسبب الظروف الصعبة التي يعملون فيها والأجور الزهيدة التي يتقاضونها.

هذا التصاعد الكبير في الاستثمارات الصينية بالخارج، يدفع الكتاب إلى طرح جملة من الأسئلة حول مدى استفادة الدول النامية من الهجمة الصينية. ففيما عدا الخطاب الذي تروج له الصين من أن هدفها تنمية التجارة وتمتين أواصر الصداقة مع الدول، تبقى الغاية القصوى هي الحصول على المواد الأولوية. وإذا لم يتأت للدول استخراج الثورات من أرضها يمكن للشركات الصينية القيام بذلك، لكن بدلاً من تحسين ظروف العمال ورفع مستوى معيشتهم، تعيد تكرار نفس النموذج المطبق في الصين، حيث تنعدم إمكانات الاحتجاج. فالتنمية الحقيقية، كما يقول الكتاب، لا يمكن أن تتم بمعزل عن الحكامة الجيدة، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهي الغائب الأكبر في الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.