موقع متخصص بالشؤون الصينية

(الصين اليوم)) تحاور د. وحيد السعيد

0


شبكة الصين:

كرمت جمهورية الصين الشعبية عدداً من المثقفين المصريين المهتمين بالشؤون الصينية، الذين يلعبون دوراً مهماً في نشر ثقافة الصين، ويبذلون جهودهم لتوثيق العلاقات الصينية العربية على كافة المستويات. من بين المكرمين د. وحيد السعيد ، الأستاذ في قسم اللغة الصينية بجامعة عين شمس.

في حديثه مع ((الصين اليوم)) أكد. وحيد السعيد:

أن السؤال عن أهمية ودور المتخصصين في الشؤون الصينية في نشر الثقافة الصينية في مصر والدول العربية، قال د. وحيد السعيد: هذا سؤال محوري وهام جدا، لأن المتخصص في اللغة أو الثقافة له دور ثنائي، الدور الأساسي هو القيام بعملية البحث والتدريس، أما الدور الأكثر أهمية من وجهة نظري هو الخروج للمجتمع الأوسع؛ الخروج من نطاق المجتمع الطلابي إلى المجتمع بمفهومه الواسع. يجب على كل متخصص في اللغة والثقافة الصينية أن يكون منارة داخل المجتمع المصري والمجتمع العربي بأسره. وإن لم يقم بهذا الدور، فأنا أراه مقصرا. هناك اجتهادات فردية غير منظمة، لا يوجد وعاء لترتيب ودعم هذه الجهود، فهي جهود فردية يبذلها البعض في اتجاهات مختلفة على صعيد الترجمة، البعض على صعيد الإعلام، البعض على صعيد علاقات ثنائية هنا وهناك، ولكن مازلت أراها حتى الآن غير كافية وغير قادرة على مواكبة حجم العلاقات العربية الصينية، لأن المثقف المصري يقع على عاتقه عبء دعم العلاقات العربية الصينية وليس المصرية الصينية فحسب. لا توجد قناة واحدة توحد جهود المتخصصين في الثقافة الصينية. لابد من تنسيق هذه الجهود حتى يكون التيار قوياً وواضحاً. أدعو إلى ملتقى يجمع كل المهتمين بدعم التبادل الثقافي العربي- الصيني وتوحيد جهودهم.

عن الشخصية الصينية، حللها د. وحيد السعيد قائلا: الشخصية الصينية قد تبدو لغير المتخصص أو الذي يراها من بعيد شخصية بسيطة. ولكن الشخصية الصينية تتسم بالعمق إلى حد بعيد جدا. وربما كان هذا خطأ مشتركاً وقع فيه الكثير من صناع السياسة في الدول العربية، فهم في تعاملهم مع الشخصية الصينية يرونها شخصية بسيطة. ولأن الشخصية الصينية شخصية ودودة ومبتسمة في جميع الحالات، حتى في حالات الغضب أو الرفض، قد لا يدرك غير المختصين هذه النقطة، فيجد الإنسان الصيني حسنَ المعشر وبسيطاً ومبتسما ودوداً، فيعتقد أنه إنسان بسيط يمكن أن نتعاون معه وفقا لآرائنا أو أن نملي عليه ما نريد. الشخصية الصينية في حقيقة الأمر شخصية في منتهى العمق وشخصية لها خصوصيات تنفرد بها، فهي تجمع النقيضين، تجمع قمة الود وطيبة الملمح وأيضا قمة الحزم وقمة صلابة الرأي، فهي إذا اعتقدت في شيء فمن الصعب جدا أن تغير هذا الاعتقاد، وإن بدا أنها غير ذلك. الشخصية الصينية تفصل ما بين العلاقات الإنسانية الودودة والطيبة وبين الجوانب البرجماتية العملية التي تحكم المصلحة. إذا أدركنا هذا، يكون من السهل أن نتعامل ونتعاطي معها بشكل طيب. الشخصية الصينية أيضا تحمل من الحكمة الكثيرة بحكم التاريخ الطويل، فتاريخ الصين يمتد منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، وهي من الحضارات القديمة. الإنسان الصيني يمتلك مخزوناً كبيراً من حكمة هذه السنين. الصين مرت بكثير من الفترات التاريخية وعانت كثيراً من الفقر والمشكلات والحروب الأهلية والاحتلال. هذا المخزون ترك في الشخصية الصينية إحساساً حقيقياً بالوطنية وليست وطنية الشعارات. الصيني يحب بلده ويعتز بأنه صيني ويعتز بحضارته ووطنه، ولكنه إنسان برجماتي جدا يتعامل مع الحياة بمنظور عملي جدا، فإذا كانت له مصلحة مع الغرب يتعامل مع الغرب، وإذا كان له مصلحة مع الشرق يتعامل مع الشرق، فهو يتعامل حيثما توجد مصالحه، ولكنه لا يتحرك على حساب مصالح الآخرين، وهذا هو الفرق الجوهري بين الشخصية الصينية والشخصية الغربية. فالغربيون إذا حصل تضارب في المصالح تكون مصالحهم أولا، حتى ولو على حساب مصالح الآخرين، أما الصينيون فيقيمون علاقاتهم على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة. هذه هي سمات الشعب وانعكست على سياسة الحكومة. ربما استقوا هذه الأشياء من الحكماء الصينيين القدامى، لأن في كتب كونفوشيوس، الكثير من الجوانب الإنسانية والأخلاقية المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية والمتعلقة بإدارة العلاقات مع الآخر.

حول التجربة الصينية قال د. وحيد السعي: التجربة الصينية ربما تكون تجربة غير قابلة للتكرار إلا إذا توافرت عدة شروط، أولها قوة الإرادة الشعبية للتغير. إن معيار نجاح أي نظام هو قدرة هذا النظام على خدمة شعبه، لأنه في نهاية الأمر، النظام السياسي يقاس بمدى ما يقدمه بالنسبة لشعبه. هناك الكثير من الدروس و الخبرات التي يمكن أن نأخذها من الصينيين. أولا، بدأ الصينيون الانفتاح على العالم الخارجي بعد مصر بسنة، فلقد بدأنا نحن في عام 1977 وبدأت الصين عام 1978. في مصر بدأ الانفتاح بشكل غير متوازن، بمعنى أن شعباً عانى كثيراً من الحرمان من السلع الأجنبية ففتحنا منافذ عديدة فأتت السلع الأجنبية من كل حدب وصوب ليستمتع بها الشعب. الصينيون فعلوا هذا ولكن بنسبة 30%، وانفتحوا على الغرب بنسبة 70% انفتاحا تقنياً، بمعنى استيراد التقنيات الغربية. كانت التقنيات الغربية تصل إلى الصين، أياً كانت طريقة وصولها، فتحدث لها عملية تصيين أي توطين هذه التقنيات في الصين بما يتناسب مع الظروف الصينية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى آخره. أعتقد أن هذه كانت بداية نجاح الصين في تحقيق التقدم الاقتصادي الهائل الذي جعلها القوة الاقتصادية الثانية في العالم. .. الصينيون نجحوا في هذا منذ فترة مبكرة جدا، فمنذ بداية تسعينات القرن العشرين بدأ يظهر في الصين ما يعرف بالتكنولوجيا الصينية، وبدأ العالم كله يعرف التكنولوجيا الصينية. .. ربما الصينيون عندما بدأوا النهضة الصناعية بدأوا في صناعات معينة ولم يدخلوا في الصناعات الدقيقة. توجه الصينيون نحو الصناعات البسيطة التي لا تحتاج إلى تكنولوجيات معقدة ولا رؤوس أموال ضخمة، وحققوا فيها غزارة أو وفرة إنتاجية توجهت أولاً إلى تلبية احتياجات السوق المحلية. وهنا دعني أتعجب كثيراً لما يقوله البعض في مصر بأن عدد سكان مصر كبير. عدد سكان مقاطعة سيتشوان الصينية 140 مليون نسمة، أكبر بكثير من عدد سكان مصر. هنا تأتي أهمية فلسفة النظر إلى المواطن؛ هل تنظر إليه على أنه عبء على الدولة أو تنظر إليه على أنه عنصر منتج؟ ظهر في الصين ما يسمى بنظام المصانع الصغيرة، مثلا، توجد أسرة في الريف مكونة من سبعة أو ثمانية أفراد من ثلاثة أجيال يقيمون مصنعاً صغيراً ينتج جزئية بسيطة لمنتج كبير. تتعدد المصانع البسيطة، فخمسة أو ستة مصانع متنوعة تصل إلى منتج متكامل ينتج بغزارة على امتداد مساحة الصين وعدد سكانها الكبير. تحول الشعب الصيني إلى خلايا نحل، الكل ينتج والكل يعمل، فتحقق الاكتفاء الذاتي للسوق الداخلية ثم بدأت عملية التصدير. أتعجب من الذين يقولون إن المنتجات الصينية تغرق الدول العربية، فالحقيقة أن حجم التجارة الصينية مع الدول العربية أقل من 2% من حجم تجارة الصين الخارجية. الصين تُعلي قيمة الفرد كقوة منتجة في المجتمع، وتطبق سياسة الثواب والعقاب، وتنتهج سياسة وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب في كل مكان بالدولة. رأيت خلال زياراتي للصين رؤساء مقاطعات شباباً دون الأربعين. كيف استطاع الحزب الشيوعي الصيني الذي ينظر إليه المجتمع الغربي على أنه حزب جامد مستبد أن يغير ويجدد دمه ويدفع بالدماء الشابة في شرايينه باستمرار، فتجد رئيس مقاطعة أو مدير شركة كبرى تنتج بالمليارات عمره أقل من أربعين سنة، وعلى درجة عالية من الخبرة والكفاءة. وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وتقديم العناصر الشابة والدفع بها، من بين عناصر كثيرة جدا دفعت إلى تحقيق هذه المعجزة الصينية التي أراها مازالت متواصلة، فقبل عام كانت الصين القوة الاقتصادية الرابعة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا، وفي خلال عام واحد فقط تجاوزت ألمانيا واليابان، وأصبحت القوة الاقتصادية الثانية. وأنا اعتقد أنه خلال سنوات قليلة ستكون الصين هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.