موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين.. هل تعود قوة عظمى عالمية؟

0

USAChina
موقع قناة الجزيرة الالكتروني:
إبراهيم غرايبة:
تبدو الصين وفق قاعدة القوة الاقتصادية والعسكرية مرشحة للعودة قوة عالمية كما كانت قبل قرون عدة، وربما تكون المنافس الأكبر والأهم بالنسبة للولايات المتحدة في السنوات القليلة القادمة، فالنمو الاقتصادي المتسارع الذي تحققه منذ ربع قرن سيجعلها القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وعدد سكانها وقوتها العسكرية يرشحانها لموقع قيادي في العالم.

النهضة الاقتصادية في الصين
حقق الاقتصاد الصيني نموا بمعدل 10% سنويا منذ العام 1980، ويقوم بينه وبين العالم الخارجي اعتماد متبادل، وقد بدأت الصين برنامجا اقتصاديا منذ العام 1979 قائما على الانفتاح الاقتصادي واستقطاب المستثمرين، وتحولت الصين إلى ورش ومصانع لشركات هونغ كونغ وتايوان والولايات المتحدة الأميركية وسنغافورة واليابان، فكانت على سبيل المثال هاربور كبرى شركات الألعاب تشغل في الصين أكثر من عشرة آلاف عامل، في حين أن عدد عمالها في هونغ كونغ لم يكن يتجاوز الـ 400 عامل.

وبحلول العام 2000 بلغت الاستثمارات القادمة من هونغ كونغ في الصين حوالي 175 مليار دولار تغطي 190 ألف مشروع استثماري، وبدأت مدينة شن زين الزراعية الصغيرة ذات الربع مليون نسمة التي تقع على الساحل المقابل لهونغ كونغ تستقبل المشاريع حتى تحولت في عقدين من الزمن إلى مدينة تنافس هونغ كونغ، ويعيش فيها اليوم أربعة ملايين نسمة، ويبلغ معدل الفرد فيها 4000 دولار، وأنشئت فيها مطارات وجامعات وناطحات سحاب تستوعب الحركة الصناعية والاستثمارية التي لم تعد تقل عن هونغ كونغ.
وبدأت تايوان تنقل جزءا كبيرا من مصانعها واستثماراتها إلى الصين، وبلغت عام 2000 أكثر من 26 مليار دولار، وهناك اليوم ربع مليون تايواني يعملون في 40 ألف شركة في الصين، وتحولت مقاطعة فوجيان المخصصة للاستثمارات التايوانية من مقاطعة فقيرة إلى واحدة من أغنى المقاطعات الساحلية، وتحولت بعض المدن الصينية إلى مدن تايوانية تغص بالتايوانيين وشركاتهم ومكاتبهم. وبلغ مجموع الاستثمارات الأجنبية عام 2000 حوالي (308) مليارات دولار.

تعتير الصين اليوم أكبر قوة اقتصادية في شرق وجنوب شرق آسيا، وتتفوق على اليابان في الاستيراد والتصدير والناتج القومي، ويساوي ناتجها المحلي ضعف ناتج الهند وروسيا معا، ويتوقع وفق المعدلات الجارية للنمو الاقتصادي أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بحلول العام 2015، فيتوقع أن يصل الناتج المحلي الصيني في ذلك العام إلى 12 تريليون دولار مقابل 11 تريليونا للولايات المتحدة.

النهضة والتغيرات الإستراتيجية في الصين وحولها
شهدت البيئة الإستراتيجية في الصين تغيرات هائلة منذ أواخر السبعينيات نتيجة التفاعل بين أطراف ومعطيات متعددة ومعقدة، فالبيئة الأمنية المتغيرة تبدي أن الولايات المتحدة تشكل تهديدا محتملا للصين، ولكنها سوق أساسية للصادرات الصينية، واليابان قوة اقتصادية وأكثر استقلالية وأقل ارتباطا بالولايات المتحدة، ولها صلات تجارية واستثمارية مع الصين، والهند تحقق نهضة عسكرية واقتصادية، والدول الآسيوية وبخاصة في جنوب شرق وشرق القارة تبني أسواقا واعدة.

ستظل الولايات المتحدة تمارس تأثيرا حاسما في البيئة الأمنية المستقبلية للصين، وتتطلب المصالح الجيوبوليتكية الأميركية أن تكون الصين ضعيفة نسبيا ومنقسمة على نفسها، ويقول واضعو السياسة العامة في الصين إن واشنطن ستبذل قصارى جهدها لمنع ظهور بكين قوة اقتصادية وعسكرية كبرى، ولكن ينظر في الوقت نفسه إلى الولايات المتحدة كدولة لا غنى عنها لتطوير الصين وكسوق تجارية كبرى لها، وكمصدر مهم للتقنية والمعرفة، وكصرح علمي لتخريج الآلاف من المهندسين والعلماء الصينيين.

وينظر الخبراء والإستراتيجيون والمسؤولون الصينيون إلى طوكيو باعتبارها أول خصم جيوبوليتيكي محتمل لبكين، وربما تكون منافسا اقتصاديا إقليميا في المدى البعيد، ويخشون أن تترجم اليابان قوتها الاقتصادية الهائلة في آسيا إلى نفوذ سياسي وربما عسكري، ومن ناحية أخرى ينظر إلى اليابان كمصدر مهم للمساعدة الاقتصادية والتقنية، كذلك فإن إقامة علاقات طيبة مع اليابان تزيد من النفوذ السياسي للصين في تعاملها مع واشنطن.

وتمثل الهند تحديا آخر للصين وخاصة نشاطها البحري في المحيط الهندي، وقد أدخلت الهند تحسينات كبيرة ومهمة على قدراتها العسكرية البحرية والجوية، وتطرح هذه التطورات احتمالات ازدياد التنافس الهندي الصيني، والتوجه الهندي نحو اقتصاد السوق يضع الأساس للتنافس الاقتصادي مع الصين.

تبدو القدرات العسكرية للصين متخلفة بالنسبة للولايات المتحدة، ولم يعد لإستراتيجية الحرب الشعبية مكان موثوق للدفاع عن الصين في حقبة ما بعد الحرب الباردة.

فالتوازن الجديد يقوم في المنطقة على مثلث إستراتيجي أميركي صيني ياباني محاط بأطراف من الهند وكوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، وتقوم الإستراتيجية الصينية على السعي لإقامة علاقات دبلوماسية أوثق مع المنافسين الاقتصاديين والسياسيين المحتملين للولايات المتحدة، مثل اليابان والهند وألمانيا، وتطوير مصالح مشتركة مع معظم دول العالم الثالث وبخاصة الآسيوية لتعزيز المكانة الصينية، وزيادة قدرة الصين على المساومة مع الولايات المتحدة الأميركية واليابان، واستئناف الحوارات والاتصالات السياسية والعسكرية الرسمية مع واشنطن وحلفائها، والحفاظ على علاقات إيجابية مع دول آسيا الوسطى وإيران.

السياسات الدفاعية
انتهجت الصين سياسات دفاعية قائمة على:

* تعزيز المكانة العالمية والإقليمية للصين، والحصول على أسلحة متطورة تقنيا.

* التعامل مع المواقف العسكرية المستقبلية الغامضة للولايات المتحدة الأميركية واليابان والهند.

* الاحتفاظ بالقدرة على التهديد الجدي باستخدام القوة ضد تايوان التي تتزايد نزعتها الانفصالية وقوتها الاقتصادية.

* تعزيز النفوذ العسكري والدبلوماسي الصيني في الأراضي الإستراتيجية المجاورة التي تطالب بها بكين، والقدرة على الوصول إليها، ومنها بحر الصين الجنوبي، والدفاع عن حق استخدام خطوط المواصلات الحيوية في المحيطات.

* تعزيز قدرة الصين على التعامل مع الاضطرابات الاجتماعية المحلية وحالات عدم الاستقرار الحدودية لأسباب عرقية.

التحول الإستراتيجي من قوة برية إلى برية وبحرية
تحول العقيدة العسكرية إلى مبادئ قتالية جديدة تتفق مع ظروف دولة عظمى حديثة، مثل التعريف الموسع للحدود الإستراتيجية، والردع الإستراتيجي، وأخذ زمام المبادرة بتوجيه الضربة الأولى. هذه المبادئ التي أعلنتها القيادة الصينية تفترض أن القوات الصينية ستحتاج في النهاية إلى اكتساب قدرة أكبر على استخدام قوتها خارج حدودها، وإلى قدرات أخرى تكفي لتعزيز طموحات الصين في أن تصبح دولة عظمى.

وقد ارتفع إجمالي الإنفاق الدفاعي الصيني بأكثر من 10% سنويا منذ العام 1990، وركزت التحسينات العسكرية على زيادة القدرات والتقنيات العسكرية والقدرة على أداء عمليات معقدة بعيدا عن الساحل ولفترات طويلة، وعلى سبيل المثال أجرت البحرية الصينية عمليات ومناورات شاركت فيها السفن والغواصات والطائرات، واشتملت العمليات على فرض الحصار البحري وخرقه وشن الهجمات على خطوط الأنابيب وتحديد مواقع ألغام العدو وتدميرها.

الثقافة الصينية العالمية
بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر تتبلور ثقافة صينية عالمية تتنازعها الكونفوشيوسية وأمواج الحداثة الغربية العلمانية والليبرالية، ويمكن ملاحظة ثقافتين صينيتين اليوم: إحداهما تقودها تايوان وهونغ كونغ قائمة على النموذج الأميركي والغربي، ولها جمهور واسع في الصين وبخاصة في الموسيقى والأفلام. والنموذج الثاني تقوده شنغهاي وبكين وهو قائم على كونفوشيوسية محدثة، وما تزال الاشتراكية تحاول الاستمرار، ولكن دون نجاح.

ويعيش حوالي 40 مليون صيني في خارج الصين، ويسيطرون على قطاع واسع من الاقتصاد في جنوب شرق آسيا وتايلند، وفي الولايات المتحدة تجمعهم شبكات اقتصادية عالمية للعمل المشترك.

الصين عام 2020
اصطدمت طائرة مقاتلة صينية بطائرة تجسس أميركية مطلع أبريل/ نيسان 2001، وهبطت الطائرة الأميركية في مطار هينان الصيني، وحدثت أزمة دبلوماسية توقع لها البعض أن تكون بداية لحرب باردة وربما ساخنة بين الولايات المتحدة والصين.

لقد أعلن الرئيس الأميركي بوش بمجيئه إلى السلطة أن الصين تمثل تحديا لبلاده وأن مكانتها في شرق آسيا أصبحت مهددة من قبل بكين، وتنتقد الصين الوجود الأميركي العسكري في المنطقة، وترى أن الولايات المتحدة الأميركية كقوة لحفظ السلام في المنطقة قد تآكلت تاريخيا.

وفي الكونغرس الأميركي تشكل حلف مناوئ للصين يحظى بتأييد الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء, ويشمل هذا الحلف الإستراتيجيين الذين يريدون تقليم أظافر بكين والحد من تطورها، والنقابيين الذين يريدون حماية أماكن العمل في الولايات المتحدة الأميركية عن طريق الحد من تدفق الواردات من الصين، وتعديل خلل الميزان التجاري بين البلدين والبالغ 84 مليار دولار لصالح الصين، ومناصري الديمقراطية وحقوق الإنسان الذين يريدون أن يحولوا الصين إلى بلد ديمقراطي، وجعلوا من الطلبة الذين تجمعوا في ميدان السلام عام 1989 نموذجا آخر من تمثال الحرية، رغم أنهم يحقدون على واشنطن وإن كانوا يتطلعون إلى نمط العيش على الطريقة الأميركية.

تريد بكين بسط نفوذها على بحر الصين الجنوبي الذي يعتبر أحد أهم الممرات الملاحية البحرية في العالم واعتباره بحرا خاصا بها، وفي المقابل أعلن بوش بصراحة أن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة ستتقرر بالمنافسة الإستراتيجية والتنافس في آسيا.

فإذا كان ظهور قوة عظمى جديدة يعني اندلاع حرب كما هو مسار التاريخ دائما، فهل ستقوم حرب باردة جديدة، أو حتى حرب ساخنة بسبب تايوان مثلا؟ سؤال منطقي، ولكن هناك من الأسباب الكثيرة ما يدعو البلدين إلى التعاون وتنسيق علاقاتهما.

فالصادرات الصينية إلى واشنطن تدعم الاقتصاد الأميركي ولا تستنزفه كالصادرات اليابانية، وهي منتجات تتطلب أيدي عاملة كثيفة، وتفيد صناعة الحواسب الأميركية من القطع التي تصنعها الصين، ويعتمد القطاع الزراعي الأميركي كثيرا في صادراته على السوق الصيني، فالعلاقة الأميركية الصينية تتميز بالمنافسة والشراكة في آن معا، وقد يحتاج البلدان إلى تفاهم تتبوأ بموجبه الصين مكانا في القمة يليق بها، وتعترف بكين بدور واشنطن في المحيط الهادئ.

السلوك السياسي للصين
تعتبر بكين كما في مؤتمر التقييم الإستراتيجي الذي عقدته قيادة سلاح الجو الأميركي عام 1995 قوة صاعدة ومرشحة لمنافسة واشنطن، وستكون الصين وفق تقديرات ذلك المؤتمر عام 2015 قوة اقتصادية متفوقة اقتصاديا على الولايات المتحدة وتكون أيضا قادرة ومهيأة لمنافسة واشنطن في النفوذ السياسي والأهمية الإستراتيجية.

تبدو الصين في سلوكها واتجاهها نحو المستقبل مبالغة في الحذر والمحافظة، وتؤكد نواياها السلمية وعزمها على صيانة استقلالها، ونفورها العارم من التدخلات العسكرية الخارجية، وتبدي تجاه بعض القضايا موقفا راسخا غير قابل للتغيير كما يظهر على الأقل مثل تايوان، ويفسر بول كينيدي سلوك بكين السياسي بأنه يعود إلى ثقافة صينية وتأثير الشكوك الفطرية من هيمنة العرق الأبيض على العالم، وربما يجعلها هذا موضع شك الدول والأمم وريبتها.

وبخروج بكين من القرن العشرين فإنها خرجت من مرحلة استمرت مئات السنين لتدخل في مرحلة حديثة لعلها إجابة عن سؤال استمر أكثر من مائة سنة، إن تحول الصين إلى قوة عظمى مسألة وقت فحسب.
ــــــــــــــــــ
كاتب أردني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.