موقع متخصص بالشؤون الصينية

كازاخستان نزارباييف ومبادرات لتمكين السلام والوئام ونشر الازدهار

1

marwan-soudah-kazakhstan4

الأكاديمي مروان سوداح*

عرضت الهجمات الإرهابية في باريس لتعبير صارخ عن عنف وحشي وفِعل دنيء ارتكبه متطرفون دوليون. لكن الهجمات لا تحدث في باريس وحدها، بل وفي غيرها من عواصم العالم أيضاً، حيث يَسقط الأبرياء قتلى في عمليات يَندى لها جبين الإنسانية. إلا أن الارهاب المُرتَكَب في العاصمة الفرنسية أصاب هذه المرة قلب أوروبا وأدماه، وقد أراد الارهابيون أن تكون عملية الإدماء إشارة جديدة على مَديات أهدافهم القاضية بتحويل التاريخ على مِنوالهم. لكن العملية الارهابية الجديدة أفضت فعلاً لا قولاً الى تحوّل عالمي ونقطة فارقة يتوجّب على العالم أن يُحدث بعدها تغييراً جذرياً وحقيقياً وصحيحاً لصالح المستقبل، سيّما في قواعد السلوك العالمي، وبضمن ذلك لزوم مَحو كل حدود الخلافات ومولّدات النزاعات المتوهّجة، والتوحّد بوجه عدو واحد مشترك، ألا وهو التهديد الارهابي الذي يُشكِّلُ الخطر الأعظم الذي بات يَنال من الانسانية.

ومن الضروري هنا التنويه الى ان التحوّل الحقيقي لا ينبغي أن يكون مجرّد كلمات، بل ان يَغدو أفعالاً محدّدة وواضحة المَعالم وخطة متكاملة يكتنز بها العالم. وفي هذا المقام، لا بد من الإشارة الى ان رئيس جمهورية كازاخستان فخامة السيد نور سلطان نزارباييف، كان أعلن مِن على منبر منظمة الأمم المتحدة، عن مبادرة من شأن تنفيذها – ومهما يبدو ذلك مستحيلا للوهلة الاولى – وضع نهاية للتهديدات الإرهابية المُستشرية في رياح كوكبنا الأرضي، بعدما صارت تلك التهديدات المُتكاثرة تمتلك يوماً في إثر يوم، نطاقات عالمية أكثر شساعة .

يقترح رئيس كازاخستان البدء بتأسيس شبكة عالمية واحدة وموحّدة لمكافحة الإرهاب الدولي والتطرّف، ويشترط نيل الموافقة على تشكيلها في وثائق رسمية يتم التوصل إليها بين جدران الأمم المتحدة، ويجب ان تكون وثيقة شاملة من شأنها أن تؤكد استعداد جميع الدول للتصدي للعدو الرئيس – الإرهاب، لكونه العدو الذي لا يُشخَّصُ بفرد معين أو بطريقة مُحدّدة. فالحرب لا تملك خطوط جبهة واضحة وفاصلة، وهذا لعمري أمر في غاية الخطورة.

ويشمل البند الرئيس لهذه الخطة التي يبدو بأن مجموعة صغيرة من الناس يُعمِلون التفكير بها، الأهداف التي يجب أن يُفضي إليها المخرج الاقتصادي لمشكلات العالم المعاصر. فرئيس جمهورية كازاخستان يرى، وهو محق برؤيته، أن المشكلات الاقتصادية هي بالذات التي تثير إلى حد كبير أكثر الظواهر سلبية على وجه البسيطة، بما في ذلك الإرهاب. ولمعالجة هذا الملف بالذات، لا بد من توليد منهجية ووسيلة مشتركة قابلة للتطبيق.

وفي هذا السياق بالذات، من الضروري الإشارة الى ان الفكرة التي تقدّم بها رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف والقاضية بوضع خطة لمكافحة الازمة العالمية، أضحت موضع اهتمام خاص وجماعي في الأوساط الدولية. فالأزمات المتلاحقة التي شهدها العالم في السنوات المنصرمة، كشفت عن عدم جدوى السياسة الانعزالية، ذلك أن عالم اليوم يتوسّل الى قواعد جديدة لتنظيم شؤون وشجون الحياة، وكذلك ينحو الى سُبل ناجعة لمعالجة متجدِّدة لها، وهو ما يُشبه السعي لتوفير حبوب دوائية للقضاء على الآفات الأخطر، ويجب ان تغدو خطة مترابطة ومتكملة و فعّالة للوصول الى وقايةٍ فإبراءٍ من الازمات الراهنة والمُستقبلية. وفي هذا المخطط العلاجي الذي يَطرحه الرئيس نور سلطان نزارباييف أمام المجتمع الدولي، يتضح بصورة جلية مايعتمل الرئيس من إيضاحات ومنهجية جادة ومُدرَكة. فالعالم يتطلع اليوم إلى عِملة مُوحّدة ونظام مالي دولي عَابر للوطنية، يكون في جوهره مُنظِّماً، وينبغي أن يصبح قابلاً للحياة والفعالية على شاكلة مجلس اقتصادي واجتماعي تابع للأمم المتحدة. لكن، وزد على ذلك، أن يَغدو اكثر تمثيلاً من المجلس التكويني الاول، ليصبـح فعّالاً ونشِطاً .

يتضح، أن كازاخستان وبجهود رئيسها النابه نور سلطان نزارباييف يمكنها أن تكون وبلا أدنى شك، نموذجاً لشتى التغيّرات التي يَقترحها الرئيس لتكون صالحة للتحقيق في نطاقات العالم كافة، كما ولترجمة أفكار الرئيس في يوميات الكون بفعالية. فكازاخستان هي أولاً الدولة الأكثر استقراراً في إقليمها بالمعنى الجيولوليتيكي المُعاش، ويتضح ذلك في يوميات واقعها الجيوسياسي، فهي تحيا في أجواء مؤكدة من الاستقرار والأمان، برغم المُحاددة الجغرافية لديها مع دولة أفغانستان – التي هي أحد أكثر المصادر الرئيسية لعدم الاستقرار في القارة الآسيوية، إذ ان أفغانستان دولة يَصعب نيل النجاح في محاولات الحد من تأثيراتها التدميرية على جيرانها وبضمنهم كازاخستان.

كازاخستان هي عالمنا المُصَغّر.. إنها هذا العالم بالذات كما هو وكما ينبغي له أن يكون.. أنه عالم المستقبل الواعد. وهو مستقبلنا البعيد والقريب الدَّاني. وهو كحد أدنى عالمٌ خالٍ من الأسلحة النووية. وكازاخستان هي أول دولة في التاريخ تشرع بقرار من زعيمها بعملية أغلاق موقع التجارب النووية القائم على أراضيها، وتتخلى طوعاً عن رابع أكبر ترسانة نووية بالعالم. وكذلك توجهها لإقامة منطقة خالية من تلك الاسلحة في أسيا الوسطى. واليوم يَقترح رئيس كازاخستان تكرار هذه التجربة الكازاخية بفعالية في “الشرق الأوسط” – أي في تلك المنطقة من حيث يتأتى الآن الخطر الرئيسي على أمن هذا الكوكب.. هناك حيث تندلع حروب تولّد هجرة وإرهاب وفوضى غير منضبطة.. وهناك أيضاً حيث الحاجة ماسة إلى تفعيل مثل هذه الإجراءات أكثر من حاجة غيرها من مناطق الدنيا.

أما بالنسبة للاقتصاد، فكازاخستان تشتهر راهناً بأنها الدولة الأكثر استهدافاً من جانب الخبراء والبحّاثة وجمهرة المنظّرين الأُممين في دراساتهم لواقعها، لكونها الأكثر تفعيلاً للمساهمات المُفضية الى الأمان والسلام الناجز على صعيد العالم. فقد تمكنت كازاخستان من الإفلات من تأثيرات الأزمة العالمية المُعقّدة ما بين سنتي 2008- 2009 بأقل الخسائر. أما في الأزمة الحالية، وهي الأكثر إتساعاً، فقد بادرت كازاخستان بتنفيذ خطة تحوّل جذرية توصّف بأنها “خطة ضد الأزمة”، وهي ترتدي صفة راديكالية. فسلطات الدولة الكازاخستانية لا ترغب باستنساخ أية أعراض علل اقتصادية. لذا، نرى كيف أنهم قد شرعوا في أستانا بإعادة بناء كامل النظام، بحيث يتم تجنّب جميع مُولّدات الفشل الاقتصادي. فبرنامج الـ”100 خطوة ملموسة” الذي أبرزه رئيس كازاخستان، قد ولّد صدىً واسعاً في كوكبنا، ذلك لنهجه الثوري في حل المشكلات القديمة، ليس فقط على مِثال بلدان معينة ومنفردة فحسب، بل وعلى صعيد مختلف دول ومناطق العالم أيضاً. لذلك، نرقب كيف ان الخبراء في شتى بقاع الارض قد تنادوا للبحث في النهج الكازاخستاني لإعتباره ضرورة لازمة للأخذ بها وتوظيفها الفاعل أممياً. وفي هذا السياق تابعنا تصريحات غيرمان غريف، الاقتصادي الأشهر عالمياً ووزير التنمية الاقتصادية السابق في روسيا الاتحادية، الذي يَشغل الأن منصب الرئيس في واحد من أكبر البنوك، وجاء فيها ان خطة الرئيس نزارباييف هي “واحدة من أفضل الوثائق التي إطلع عليها في حياته”، وأشار إلى أنه بعد تنفيذ حتى 50 خطوة، ستغدو كازاخستان دولة تختلف اختلافاً جوهرياً عما هي عليه حالياً.

يجب الاعتراف أن كازاخستان هي في الواقع الراهن حالة مُتفرّدة لدولة تحمل قسمات مختلفة للغاية. فهي اليوم لا تشبه الدولة الكازاخستانية التي اختطت سبيل الاستقلال بعد انفراط العقد السوفييتي قبل نحو ربع قرن انطوى.. فكازاخستان تعيش اليوم فعلياً في المستقبل الجديد الذي يتحدث عنه رئيسها.. إنها تحيا في المستقبل المضيء الذي يَشرع العالم للتو بأولى خطواته للانضمام إليه.

إن مشروع “المستقبل الجديد – NEW FUTURE”، الذي ينطوي على ضمان الأمن الإنتاجي في عدد من الحقول منها النووي، الطاقي، المائي والغذائي، أضف إليها أمن الثقة والتفاهم المتبادل والإصلاح، هي تلكم المجالات التي ينشط الرئيس نور سلطان نزارباييف بتجسيدها فعلياً في المشاريع المتلاحقة لكازاخستان، ويأمل الرئيس بكلية تضافر الجهود المشتركة للزملاء من البلدان الأخرى في العمل البنّاء على جعلها أكثر شساعة في فضاءات كوكب الأرض، لتتبوأ كازاخستان بموجبها مكانة المِثال الناجح في تنفيذ الإصلاحات. فكازاخستان كحالة متميزة وناصعة، تتطور بوتائر قياسية، ويستمر هذا التطور حتى في الفترات التي تكون فيها البيئة الخارجية غير مواتية لذلك.

واليوم تبرز جمهورية كازاخستان بشغلها مركز الصدارة بين بلدان رابطة الدول المستقلة على مستوى إزدهار البيئة التنافسية وبيئة وشروط الأعمال. وعن نجاح البيئة التنافسية في كازاخستان يمكن الحُكم على مِثال واقع العاصمة أستنا، فهي ترتقي عام بعد عام الى درجة أرفع في جدول التصنيف العالمي.

وبعد تحقيق النـتائج الباهرة التي تضعها كازاخستان نصب عينيها، فإن السلطات الكازاخية لا تنوي التوقّف عندها ولا عند حدود ما تحققها الدولة، بل هي لاتنفك تسعى نحو نيل هدف طموح وكبير مُقبل، يتجلّى بإختراق آفاق متجددة ومنها، الدخول إلى مجموعة الدول الثلاثين الأكثر تطوراً في العالم بحلول العام 2050. ونظرة فاحصة على كيفية تطوّر كازاخستان اليوم برؤى قيادية قديرة جداً وبعيدة البصيرة من لدن زعيمها، نلمس دون أدنى شك أن الدولة سوف تحقّق أهدافها السامية الموضوعة على جدول اعمالها.

*تنشر المادة بالتعاون مع المؤسسات الكازاخستانية الرسمية ذات العلاقة.
*الناشر متخصص بشؤون كازاخستان والجمهوريات التي كانت تشكّل الاتحاد السوفييتي السابق.

تعليق 1
  1. مروان سوداح يقول

    نأمل ان تندغم كازاخستان الصديقة اكثر في قضايا الشرق الاوسط – التي هي منطقة واقعة الى جنوبها الارضي، وتُعتبر من إقليمها الاوسع، والتي تؤثر عليها وتتأثر منها بدون توقف، وما الاحداث الحالية سوى تأكيد واضح على ذلك.. ومن المهم ان تعمل كازاخستان بنشاط اكبر من اجل السلام في فلسطين لأن هذا هو بالذات مقياس الصداقة والعلاقات العربية الكازاخية، سيما العمل لإحقاق حقوق شعب فلسطين، فكازاخستان تعتبر نفسها شقيقة للعرب وهو ما نفخر به،ونتطلع الى علاقات عميقة بين العالمين العربي والكازاخي….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.