موقع متخصص بالشؤون الصينية

“روسيا اليوم” وبانوراما السياسة والسياسة المضادة

0

mhamad-tweimi-russia

الشيخ محمد حسن التويمي*

لاحظت مراراً أن في مَشهد موسكو – عاصمة الدولة الروسية المُعَاصِرة – تعرُّضها لهجمات إعلامية مضادة وشرسة من جانب خُصومِها الدوليين والإقليميين. فموسكو تمثّل دولة روسيا الجبّارة وشعبها العريق الذي استمد الكثير من ثقافته وتقاليده من آسيا وبلاد الشام.

والهجوم على روسيا الصديقة يَقترن بالهجوم على موسكو كرمز لكل روسيا، في محاولة من قوى عالمية وإقليمية، بل وسوفييتية سابقة كذلك، للنيل منها وشيطنتها كونها عاصمة عالمية جاذبة، ولأنها تمثل دولة الحسم العالمية، ولأن كل طرق العالم تؤدي إليها. وموسكو روسيا مثّلت الاتحاد السوفييتي فترة طويلة، وكانت تمثّل وماتزال تمثّل ماضياً وحاضراً قوميات روسيا وشعوبها وأُممها وأعراقها وسياسة الصداقة والمبدئية التي إختطتها وتخطتها قياداتها، وبرغم ذلك نشهد في بانوراما موسكو كيف يتم من خلال فضائية روسيا اليوم الناطقة بالعربية، وللأسف الشديد، تعَرّضها الغير المُبرّر للإرث التاريخي للاتحاد السوفييتي – الدولة التي عاصمتها تبقى موسكو، والتي قال الرئيس الفرنسي ديغول عنها ذات مرة: لا يوجد إتحاد سوفييتي.. بل هي روسيا الموجودة والتي ستبقى..

إذن يوجد موسكو.. وموسكو هي روسيا الأكبر مساحة والأكثر عنفواناً وثروات طبيعية في العالم، وهي الروس، وهي العَالم السلافي الصقالبي الروسي الذي درسنا عنه بالمدرسة خلال شبابنا، وهي التاريخ العظيم ومكانته وقواعده المبدئية وصداقته الخالية من الشوائب لشعوب العالم. وعندما يتم التعرُّض لرموز الحقبة السوفييتية وسياستها التي تمثلها موسكو، وذلك من جانب فضائية روسية، أكانت رسمية أم خاصة، بالعربية أو بالروسية والانجليزية أو بلغات اخرى، يتم التعرّض بالتالي لكل الانجازات الروسية سابقاً وحالياً ولاحقاً، وشيطنة روسيا وموسكو بأيدي “روس” بالذات وبأنفسهم، وربما بأيدي “خُبراء” “عرب” يَعملون لديهم والله أعلم بالغيب، وتثبيت صورتها بالتالي وللأسف الشديد جداً على أنها “إمبرطورية شر” كما وصفها أحد الرؤساء الأمريكيين ذات مرة.. قبل عشرات السنين.

ردود أفعال مشاهدين عرب عديدين هي اليوم ليست لصالح موسكو ونشاطها في الشرق الاوسط، برغم أن موسكو تتعرض لسيلان دماء جنودها البواسل والشجعان على الأرض العربية، تماماً كما كان أمر دماء العسكر الروس خلال كل نقلات التاريخ العربي – الروسي منذ مئات السنين في الشام الكبرى والجزائر وسوريا ومصر، ومروراً بحقبة الاستعمار الغربي الاوروبي على الارض العربية.. ولماذا الآن بالذات تَعرض الفضائية طعن موسكو روسيا في الظهر، أي شيطنتها، في وضع دقيق وصراعي نعيشه..؟ جواب برسم إجابة المسؤولين في الفضائية، وربما القيادات السياسية لروسيا الصديقة، الدولة التي تسببت الفضائية بإحراج أصدقائها العرب كثيراً كثيراً.. وتجعلهم يَصمُتون..

أحيانا يتم تبييض وجه الاحتلال “الاسرائيلي” وصفحته في برنامج يَعرض للقاءات متواصلة مع مسؤولين روس سابقين عسكريين ومدنيين برغم ان “إسرائيل” هي كيان إحتلالي للأرض العربية، استقدم ويَستقدم للآن المحتلين والمُستعمرين لفلسطين من كل بلدان العالم، كما وبرغم أن تل أبيب هي قولاً وفعلاً حليفة “ثابتة” وأيديولوجية لكل القوى العدوة لروسيا والمناهضة لها والمتربصة بها سابقاً و حالياً.

فلسطين هي بلد تم احتلاله صهيونياً، تماماً كما كانت فرنسا نابليون ذات مرة تهاجم روسيا وتحتلها، وكما كان أدولف هتلر يريد إبادة الروس والسوفييت وبسط سيطرة عنصره “المختار” على كل أراضيهم الغنية، وكما كانت اليابان الامبرطورية تريد احتلال روسيا والصين وكل بلدان أسيا، الى غيرها من قائمة الدول التي تطلّعت وتتطلع اليوم لاحتلال روسيا أو الطعن بظهرها.. وهنا نتساءل: لماذا يُقال ان المظليين السوفييت (الروس: كما يَفهم المُستمع العربي) كانوا مُستعدين قبل عشرات السنين للقتال بوجه العرب “للدفاع” عن “إسرائيل” – (التي هي فلسطين المُحتلة)؟.. أليس هذا الكلام صهيوني بإمتياز وغربي خالص، ويَصب في صالح الذين يُقاتلون اليوم على جبهات الشرق الاوسط ضد روسيا بوتين؟

وفي حقل أخر، لماذا تفتش الفضائية الروسية في ملفات قديمة عفا عليها الزمن ونسيها البشر تتحدث عن خلافات ونزاعات بين موسكو وبكين خلال سنوات بُعادِهما السابق عن بعضها البعض؟ أليست روسيا والصين حالياً تتحالفان بصورة موثوقة واستراتيجية وتعاضدان بعضهما البعض؟ فلماذا إذن هذه الحدّة في الخطاب المُذاع من الفضائية الروسية ضد الصين التي تمتنع عن بث خطاب مناهض لروسيا في برامج فضائيتها التي يتابعها عدد كبير من الاردنيين والعرب..؟

كذلك، لا يجب ان ننسى ان كوريا الشمالية حليفة لروسيا أيضاً/ لكن يتم توجيه خطاب حادة ضدها من جانب الفضائية الروسية، وأحياناً يتم الطعن بها على صفحة الفضائية بالانترنت، أليست بيونغ يانغ حليفة لموسكو؟ وهل تعتمد “روسيا اليوم” الصيد بالماء العكر؟ لكن لصالح مَنَ؟!

أشعر بغصّة عميقة في صدري وألم شديد في قلبي وقنوط كصديق لروسيا وشعبها لإضطراري في كل مرة مُشاهدة “بانورامات” لتعدّيات على سُمعة روسيا والروس من جانب فضائية روسية، ولا أجد جواباً لسؤال يؤرّقني: لماذا كل هذا الجَلد الروسي للذات بسوطٍ روسي..؟ ولماذا لا تحذو الفضائية الروسية حذو الفضائية الصينيةCCTV وفضائيات اخرى عربية وأجنبية لا تجلد نفسها ولا تنتقد زعمائها ودولها وشخصيات شعوبها، ولا تستحضر مَن يطعنون ببلدانها، كما تهوى الفضائية الروسية التي يبدو أنها تحذو حذو فضائيات “ما” في عرض شخصيات “ما” تبدو للوهلة الاولى ديمقراطية ومناهضة لسياسات الاستعمار، بينما هذه الشخصيات هي في حقيقتها عكس ذلك، ولسان حال الفضائية الروسية هنا هو لسان حالٍ لظهور إعلاميٍ ديمقراطي وحر، لكن في ألف باء الإعلام والوطنية لا يوجد ديمقراطية وحرية في طعن الذات والوطن، بل إنه استجلاب لمصالح ضيّقة لأخرين، ونشرٍ لأهدافهم بالطعن بالنفس والوطن وتحالفاته الدولية وروحه، وخيانة إرتباطات هذه الروح مع شعوب العالم ومع الشام الكبرى.

*كاتب وناشط دولي أُردني وعضو في المجموعة العربية لمُحبي روسيا بوتين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.