موقع متخصص بالشؤون الصينية

تزامن غير مسبوق للنقلات الصينية – العربية

0

marwan-soudah-shi-arabs

موقع الصين بعيون عربية ـ
الاكاديمي مروان سوداح*:
في العلاقات الصينية العربية تطوّرات ملحوظة، وأحداث متلاحقة، ونقلات نوعية وقفزات لم يَسبق لها مَثيل منذ بدايات وارهاصات وتطبيقات حركة الاصلاح والانفتاح الصينية ما بين عامي 1976 و1978.
وأهم تلك النقلات والأحداث والتطورات – وَسَمّها ما شئت، وهي ترتبط ببعضها بعضاً بصورة وثيقة وتأتي مُتدرّجة وواثقة بهدف تطوير الصِلات الصينية العربية – الإعلان عن رغبة الرئيس شي جينبينغ زيارة عددٍ من الدول الاسلامية والعربية الواقعة في إقليم الشرق الاوسط المترامي الأطراف، وما تعوّل عليه هذه الزيارة من انتقال للعلاقات بين الصين وبين تلك البلدان إلى مرتبة أرقى سياسياً وإقتصادياً، فرسمياً وشعبياً بصورة توزاي بعضها بعضاً.
الرئيس شي سيزور إيران ومصر والسعودية في الفترة مابين الـ19 والـ23 من يناير الجاري. وتأتي زيارته بعد أيام قليلة من إعلان الصين لأول مرة عن “وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية”، ذلك لأن التطورات العربية بخاصة السياسية والعسكرية قد نجحت في تجفيف غالبية بؤر الارهاب وسُبل تمويله في سورية والعراق، بعد الدخول العسكري الروسي الحاسم والمتزايد في سوح المعارك الفاصلة بسورية، بالإضافة الى أن الحقبة الحالية حتى العام 2020 ستشهد كما أرى، تطويراً كبيراً ونوعياً في مُجمل العلاقات الصينية – العربية – الإسلامية، رغبة من الصين بتسهيل مشاريعها السلمية لآسيا والعالم وإرساء الرغادة الحياتية.
وفي تطوّرات العلاقات الصينية الاسلامية – العربية ألحظ ومن خلال متابعاتي اليومية، أن الصين تهتم بالدرجة الاولى بالدول الاسلامية والعربية الأكثر وزناً ومحورية في الإقليم الاسلامي – العربي الكبير – الذي يَفوقها مساحةً والذي له أدوار عديدة وكبيرة وحاسمة في أسيا وأفريقيا وأسواق الطاقة – وذلك في تحقيق نقلات صينية ملموسة وسريعة ومحسوسة ومحسوبة حساسيتها بدقة متناهية، برغم ان تلك البلدان لا تتفق تماماً مع بعضها البعض في سياساتها الاوسطية والسورية والعراقية وفي منطلقاتها المذهبية، كما لا تتفق تماماً مع التوجهات السياسية الصينية، لكنها وبرغم ذلك قادرة على تحقيق تلك التحوّلات حال رغبتها بإجراء تغيير في سياستها تجاه الصين أولاً، تتماشى مع المتطلبات الدولية وتلك الجارية في الاقليم ذاته ثانياً، وهو إقليم يتغيّر ويتبّدل بسرعة مذهلة جرّاء الدخول الروسي على خط الصراع الدولي لتصفية منظمات الارهاب في سورية والدولة الروسية نفسها في وقت واحد.
وفي حال تناغم تلك الاطراف الاسلامية والعربية مع التحوّلات في الإقليم الاسلامي – العربي أو “المُمَاشاة” معها والتأقلم وإيّاها، ستتأثر علاقات عواصم تلك الدول إيجاباً مع بيجين وتتسارع لصالحها هي أولاً، وهو الأمر الذي تهدف إليه زيارة الرئيس شي الى تلك البلدان، ذلك أن العاصمة الصينية تصرُ على تعميق علاقاتها مع كل مختلف الدول العربية والاسلامية، بغض النظر عن سياسات تلك البلدان وتوجهاتها وعقائدها وتحالفاتها الكونية، إذ ان المشاريع الاقتصادية والتجارية والانسانية الصينية التي ترتدي صبغة شاملة، تنطلق من عُمق أسيا ووسطها أولاً، لتتجه الى كل أطراف أسيا والى عمق أفريقيا ونواحيها ثانياً، وتضع نصب عينيها تفعيل مشروع ومبادرة “الحزام والطريق”، التي تشمل تلك الدول كافة، وبعدها دول قارات اخرى، وتعود على جميعها بمنفعة اقتصادية وتشغيلية كبرى، ولا تغفل طرفاً ما من ثِمارها، حتى وإن كانت ارتباطاته معادية للصين تاريخياً، ذلك أن شعار الصين الاقتصادي ومفاعليه ستؤدي الى تبريد المُمَاحَكات والمُواجهات السياسية الدولية، وتُضعِف من مشاعر الضدّية في العلاقات الدولية، وتُعزّز من توجيه المشاريع الاقتصادية من أجل ((نشرٍ آمن)) لرغادة حياة مجموع الشعوب ومفاعيل ازدهارها، وليس لخدمة مصالح وتطلعات فئات وشرائح سكانية ما بعينها، وهو الأمر الذي يَصبُ في صالح الدول وحكوماتها لجهة تصليب أركان السِّلم الاجتماعي والسلام الاقليمي والعالمي، وبالتالي نشر الاستقرار الأمني الشامل.
المشروع الصيني – العالمي يتطلب وضعاً سلمياً وأمنياً موثوقاً في مختلف البلدان التي سيمر من خلالها طريق الحرير الصيني الجديد، بغية ضمان تعزيز مكانة الاستثمارات الصينية والعالمية على جانبي “الطريق”، وهو الوضع الذي بات في متناول اليد بعد ثبات التنسيق السياسي والعسكري والأمني الروسي – السوري – العراقي – الإيراني، وإفتتاح بنك الاستثمار الآسيوي في بيجين الذي يقف موقف الضد من صندوق النقد الدولي – الذي يُشَكّل وكما هو معروف على نطاق واسع، رافعة اقتصادية إستضعافية وقهرية واستعمارية لدول العالم الثالث والدول النامية على وجه الخصوص.
الرئيس شي ينفّذ زيارة دولة تلبية لدعوة من رئيس الجمهورية الاسلامية في إيران حسن روحاني، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وهي الزيارة الاولى من نوعها لرئيس جمهورية الصين الشعبية الى مجموعة دول عربية في وقت يَشهد فيه الإقليم الاسلامي والعربي وضعاً مُعقّداً وتفشي الالام والمأسي، لكن زيارة الرئيس شي تمنحنا الأمل بعالمٍ جديد، يكون الكل فيه دولاً وشعوباً سواسية في عملية الاستثمار وتفعيل الاقتصادات والتجارة الشاملة والمكاسب والمنافع. وللحيث بقية.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.