موقع متخصص بالشؤون الصينية

على هامش الوثيقة الحكومية والزيارة الراهنة.. طبيعة وجوهر سياسية الصين

0

yelina-nedogina-shi-middleast

موقع الصين بعيون عربية ـ
يلينا نيدوغينا*:
لفت نظري في “وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية”، بالإضافة لمقالة رئيس جمهورية الصين الشعبية الصديق شي جينبينغ المحترم، حول مرامي زيارته الى المملكة العربية السعودية، التي ستكون في يوم الثلاثاء 19 يناير الحالي، ان الصين تضع نفسها في الوسط بين الدول المختلفة، وتحاول ان تنأى بذاتها عن الصراعات والنزاعات المُحتدمة على نطاقي العالمين العربي والدولي، وبأنها ماتزال تلتزم خطاباً رئاسياً وسياسياً تجهد في صياغة كلماته وتوصيفاته الدقيقة على نحو لا يُثير أي من الانظمة السياسية وقادتها ولا يُوتّر علاقاتها وصلاتها معه.
لهذا، فقد لاحظت جيداً، كيف ان “الوثيقة” تتحدث عن تاريخ التبادلات الودية والصداقة بين الشعبين الصيني والعربي، من خلال طريق الحرير القديم الذي عمره أكثر من ألفي سنة، وهي إشارة واضحة ومهمة لرغبة صينية بتطوير العلاقات بالذات على ذلك النمط التاريخي العريق وتواصله على سكّته الطويلة والقوية. كما قرأت في “الوثيقة” الكثير من الكلمات والمصطلحات التي تُعطي انطباعاً واضحاً بأن الصين تلتزم التزاماً كاملاً بسياسة تأييد العدالة للشعوب وتحريرها من المُغتصِبِين لهذه العدالة وأراضي الشعوب وسياداتها. لذلك، جاء في مقدمة “الوثيقة” ان الصين “كانت” تدعم “بحزم” الحركات التحررية الوطنية العربية، زد على ذلك أن بكين تنأى بنفسها عن أي تدخل بالشؤون العربية الحالية، حين تشتد الخلافات العربية – العربية. فالصين تُبقي القضايا العربية وطُرق حلِّها ومختلف التطورات العربية والاسلامية لشعوب وحكومات تلك البلدان بالذات وليس لغيرها، لتتمكن تلك من العثور على الحلول الأنجع والأحسن لها والتي تناسبها.
وفي قراءات اخرى لرسالة الرئيس شي بمناسبة زيارته للعربية السعودية، تكرّرت نفس العبارات حول الصداقة العربية الصينية، إذ وصف فيها زيارته للعربية السعودية بأنها المحطة الأولى في جولته الخارجية الأولى لهذا العام، كما أنها أول بلد عربي يقوم بزيارته بعد ان تولى رئاسة جمهورية الصين الشعبية.
وعرّج الرئيس على بداية إقامة العلاقات بين بكين والرياض وكانت متأخرة عن بدايات العلاقات العربية والدولية مع الصين، إذ جرى الاعتراف المتبادل بين الدولتين في العالم 1990 فقط، أي بعد سنوات طويلة من تأسيس جمهورية الصين الشعبية وبدء حركة الاصلاح والانفتاح التي جرت بالصين واعترف بها العالم أجمع في حينه.
الرئيس شي يعود ليؤكد من خلال “رسالته” السعودية على وحدانية الموقف الصيني تجاه العرب والدول العربية والمنفعة المتبادلة من خلالها كما في “الوثيقة” تماماً، حين يَستحضر الرئيس شي تاريخ طريق الحرير الصيني العربي العظيم، لكون السعودية جزءاً منه فيقول.. يرجع تاريخ التبادلات الودية بين الشعبين الصيني والعربي في السعودية إلى أزمنة بعيدة، فكانت رنة أجراس القوافل التي لم تنقطع يوماً على طريق الحرير القديم الذي يربط الجانبين ببعضهما البعض قبل أكثر من 2000 عام. وكان رسُل الدولة العباسية قد وصلوا إلى الصين في أسرة تانغ الملكية، ثم في أسرة مينغ الملكية، وأرسى البحّار الصيني المسلم تشنغ خه سُفنه في جدة وسافر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها، واصفا بأن هذه الأماكن “مُفعمة بالوئام والجمال”، وهي “جنة في الدنيا بكل معنى الكلمة”. بذلك، كانت الحضارة الصينية والحضارة الإسلامية تتواصلان وتتنافعان وتتركان بصماتهما العميقة على مسيرة التواصل للحضارة الإنسانية.
وجهة النظر الصينية تجاه العالمين الاسلامي والعربي بعيدة البصيرة، وذكية، وحكيمة، وهي مصلحة صينية تطوّرية وتنموية، وتنطلق من منطلق القانونين الانساني والدولي، وقد أتت متزامنة مع التطورات العربية التي هي تطورات وتبدّلات تجد مَن يؤيّدها، وتَجد كذلك مَن يُنَاهِضُها في العالم العربي، وتجد ايضاً مَن يَصفها بالسواد ومَن يصفها بالبَياض. لذلك، نُدرك تماماً لماذا الصين لا تستطيع ان تَبقى في معسكر عربي وإسلامي واحد، ضد معسكر عربي وإسلامي آخر، على الأقل والأكثر في القضايا الحَسم وتلك التي تقسّم العرب والمسلمين وللاسف الشديد جداً الى أقسام متناقضة.
الصين لا تتدخل ولا تنوي ان تتدخل في الشؤون العربية وخلافات العرب والمسلمين، وهي من خلال التزامها الشديد بالقانونين الانساني والدولي، ترفض رفضاً كاملاً، ولها كل الحق في ذلك، ان يتدخل أي أحد في قضاياها الصينية الداخلية وبأي شكل من الأشكال، سيّما وان الاوضاع الصينية تخرج أحياناً عن المُعتاد في مناطق ما في غرب الصين، حيث ينفّذ إرهابيون – مدعومون مالاً وتدريباً وتسليحاً وسياسةً من الخارج – عمليات انتحارية في نواحي غير تلك النواحي الغربية بغية تهديد الصين وتحدّي نهضتها الاقتصادية المتواصلة ومحاولة وقف أو تحجيم وتاخير تأثيراتها السياسية على العالم.
وبالتالي، فإن الحلول لتلك الظاهرة المُقلقة هو حل صيني بامتياز وليس أجنبياً، ولا تريد الصين ان تتدخل أية دول وأية جهة في قضاياها المحلية الخاصة بها، كما هو أمر التدخل في القضية السورية، وما يُسمّى “بالحلول” المطروحة من بعض الجهات الخارجية للوصاية على الشأنين والوضعين السوري والعراقي، برغم ان “تلك” الجهات الخارجية تعلن عن رفضها ان يتدخل أي أحد في أوضاعها الداخلية وشؤونها الخاصة !
في زيارة الرئيس شي الى “الشرق الاوسط”، الذي أُسميه بالعالم العربي والمنطقة العربية، كشف نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ مينغ عن أن هذه الزيارة تعتبر أول نشاط دبلوماسي صيني مهم لهذا العام، يتم تدشينه في الشهر الاول منه، وتصادف الزيارة الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، والذكرى الـ60 لاستهلال الصين لعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول العربية، وتُعتبر السعودية ومصر وإيران دولاً (مهمة) في منطقة “الشرق الأوسط”، وتحافظ الصين على علاقات (التعاون الودي) مع الدول الثلاث، و (تتعمق الثقة السياسية المتبادلة)، وتشهد الاتصالات الاقتصادية (تكثفاً ويتطور التعاون والتبادل) في مختلف المجالات (بصورة سليمة).
كما نوّه مينغ الى ان جولة الرئيس شي هذه ستشهد أنشطة مكثفة ونتائج مثمرة، وستعمل الصين على..(تعزيز ربط استراتيجيتها التنموية مع استراتيجيات الدول الثلاث)/ و (دفع التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية)/.. و (تسهيل الاستثمار التجاري والفضاء)/.. وسيتوصل الجانبان إلى أرضية مشتركة جديدة حول تعزيز التعاون التعليمي والعلمي والتكنولوجي والثقافي، وسيتبادل الرئيس شي جين بينغ الآراء مع زعماء الدول الثلاث حول القضايا الدولية والإقليمية المهمة ودفع السلام والاستقرار في العالم والمنطقة بصورة مشتركة.
الصين وعلى لسان رئيسها العظيم الصديق شي تُلاحظ وتَدرس الاوضاع العربية والاسلامية عن كثب ومن خلال مؤسساتها السياسية والبحثية، وتلاحق مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل الجوانب العربية والاسلامية، وهي تجد، كما تصرّح، أن تلك البلدان تلتزم بخصوصياتها الوطنية للسير على الطريق التنموي الذي يُناسبها؛ وتتحلى بنظرة بعيدة المدى للدفع بالتنمية المُستدامة والمتنوعة للاقتصاد؛ وتحرص على الإنسان كقيمة أساسية للرقي بالمستوى المعيشي للشعب. وإن هذه المفاهيم المتطابقة للتنمية قد ((بشّرت بآفاق رحبة)) لتطوير العلاقات بين الاطراف الصيني – العربي – الاسلامي.
ينادي الرئيس شي والصين بشراكة إستراتيجية مابين الصين والعرب والمسلمين. لذلك، لا يمكن للصين أبداً ان تتخندق في خندق واحد ضد أخرين. وهو مفتاح أول ممناسب لفهم الصين وسياستها في العالم، وليس في المنطقة العربية فحسب، ومن هنا يجب النظر لزيارة شي للمنطقة العربية وايران، وعلاقات بلاده مع دول العالم كافة.
يتحدث الرئيس شي عن “الاخلاص” في العلاقات بين الاطراف المختلفة، والتعامل مع مجمل العلاقات بين الصين والعالم من الزاوية الاستراتيجية، والبعيدة المدى، بحيث تتعزّز وتتناسق الاستراتيجيات الوطنية للتنمية بين الصين وتلك البلدان، وبأن تتبادل التفاهم والدعم في القضايا التي تخص المصالح الجوهرية والهموم الكبرى لكل تلك الاطراف، لتوطيد الثقة السياسية المتبادلة، وهو مفتاح ثانٍ بالطبع لفهم الصين ومستقبل علاقاتها العربية والاسلامية، ونظرتها الجديدة للتطورات السياسية، حيث نعود للصفحة الاولى “للوثيقة” الصينية لنرى كيف أنها تتحدث عن سياسة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وبأنها تتركز على تعزيز (التعاون والصداقة النافعة) بين الصين ودول العالم، وتنمية التبادلات المختلفة، واحترام العالمين الصيني والعربي لبعضهما بعضاً و.. مساواتهما.
*رئيسة الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.