موقع متخصص بالشؤون الصينية

السودان والصين.. علاقات صداقة تاريخية ومصالح مشتركة

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
أسامة مختار
*:

لم تكن العلاقات السودانية الصينية التي أُرخ لها بتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في شباط/ فبرايرعام 1959م، وليدة ذلك العام، ولا حتى نتاج لقاء الزعيم [ تشو ان لاي] رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك، بالزعيم السوداني إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء السوداني الأسبق عام 1955م في باندونغ، إبّان تلك التظاهرة المناهضة للاستعمار، بل هي نتاج قرون بعيدة من الزمان تمتد جذورها إلى مائتى عام قبل الميلاد، حيث تواصل الجانبان منذ عهد أسرة هان الغربية عبر طريق الحرير البحري القديم، الذي ربط موانئ السودان الشرقية مع الشرق الأقصى.

حينها، كانت الصين تجلب الزمرد والزبرجد من السودان. وهنا لا بد من التأكيد أن كل الانظمة السياسية التي شهدها السودان منذ استقلاله في عام 1956 اهتمت بتطويرعلاقاتها مع الصين، ومن جانبها أبدت الصين اهتماماً كبيراً بتعزيزعلاقاتها مع السودان، بغض النظر عن نُظم الحكم التي تعاقبت على حكمه.

أما في العصر الحالي، فقد كانت حقبة الرئيس السوداني جعفر محمد نميري [مايو 1969-1985]، هي الفترة التى ترسّخت فيها العلاقات بين البلدين، وشهدت تعاوناً في مختلف المجالات، بما فيها المجال الثقاقي، حيث تبادلا الفرق الفنية والرياضية. فالمزاج السوداني والصيني يتشابهان في السلّم الغنائي الخماسي، كما أسست الصين فرقة الاكروبات السودانية التي هي وليدة الاكروبات الصينية والوحيدة في أفريقيا. ولا تزال الآثار الثقافية والفنية لهذه الفترة عالقة بأذهان السودانيين، فهي التي شكّلت صورة الصين في نفوس السودانيين عبر ما شاهدوه من أعمال لفرق صينية على منصات المسارح وشاشات التلفاز، وهذا البُعد الثقافي مايهتم به الرئيس الصيني شي جين بينغ الآن، وهوتقديم الصين للعالم عبر موروثها الثفافي.

أما خلال فترة الديمقراطيات السودانية الثلاث – الأحزاب السياسية فلم تشهد العلاقات تطوراً ملحوظاً، وربما يرجع ذلك لقصرهذه الفترات وانشغال الأحزاب السودانية حينها بالصراع السياسي الداخلي فيما بينها، ثم جاءت فترة الانقاذ من عام 1989م وحتى الآن، وهى الفترة الأطول في تاريخ العلاقات بين البلدين التي قاربت الثلاثين عاماً، وقد ارتقت العلاقة في هذه المرحلة الى درجة الشراكة الاستراتيجية قبل نحو ثلاث سنوات تقريبا. وأشير إلى أن هذا هو تسلسل المراحل التاريخية بين البلدين كما قسمها واعتمد عليها الياحث السوداني في الشأن الصيني دكتور جعفر كرار في مؤلفه الضخم المتميز (العلاقات السودانية الصينية 1956 -2011)

في النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن الماضي، وخلال عهد الانقاذ كان التعاون الاقتصادي على أشده، حيث دخلت الصين كشريك استراتيجى في صناعة النفط في السودان، وبات البلدان أقرب إلى بعضهما البعض من خلال المواقف الدولية الداعمة لكليهما في المحافل الدولية.

ومضت العلاقات على هذا المنوال إلى أن حلت لعنةُ النفط على السودان، وكان انفصال جنوب السودان عن شماله، وتكوينه لدولة جنوب السودان في عام 2011م، عندها فقد السودان عائدات نفطه والذي ذهب جلُه للجنوب، ما يقدر بحوالي 75%، وصاحب ذلك توترات في العلاقة بين البلدين، حيث ما زالا يعانيان منها، وليس أمامهما إلا الاتفاق في ظل ظروف وحروب طاحنة مأساوية تعيشها الدولة الوليدة، وعدم الاتفاق على كثير من القضايا العالقة مع جارتها الكبرى السودان. فالعلاقة بينهما تبدو كشأن أسرة متخاصمة على بئر من الماء لا فكاك لأي منهما عن الآخر، وفي ظل هذه الظروف المعقدة كانت الصين هي الخاسر الأكبر، فقد كان النفط عصب هذه المصالح بين الدولتين، وقد كان السودان قبل الانفصال يوفر7% في المئة من واردات النفط الصيني، بجانب العروض الكبيرة التي نالتها الشركات الصينية في مشروعات البُنية التحتية، إلى أن وصل السودان إلى ثاني أكبر شريك تجاري للصين في القارة الافريقية بعد جنوب أفريقيا. وعقب الانفصال في ظل هذا الواقع لجأت الصين إلى التعاون مع دول أفريقية أخرى، بينما ترى الخرطوم أنها كانت البوابة التي فتحت مسارات جديدة لبكين للانطلاق نحو شراكات جديدة واستراتيجية ناجحة مع هذه الدول الأفريقية وكأنها تُذكر الصين بعدم نسيانها.

ومما يُؤخذ على السودان عدم استفادته من هذه العلاقات في الارتقاء بالقطاع الزراعي والحيواني، الذي كان يعتمد عليه قبل استخراج النفط مما أثر على وضعه الاقتصادي الآن بعد شح عائدات البترول، فكان يجب أن يُوظف عائدات النفط في مجال الاستثمارات الزراعية والصناعية لمصلحة الشعبين الصديقين. كما يتوجب عليه الآن العمل على نقل تجربة الصين الواسعة والتقنيات الصينية المتطورة لدفع زيادة الانتاج.

ويرى بعض المراقبين أن العلاقات بين البلدين الآن تتعرض إلى امتحان صعب، حيث إن الكثير من المشاريع التنموية الصينية المتفق عليها مع السودان تسير ببطء، وليس بنفس الوتيرة السابقة، ويعزي بعضهم ذلك إلى عجز الحكومة السودانية عن الوفاء بتسديد مديونيات قروض واجبة السداد لشركات النفط الصينية، تفوق10 مليار دولار، بينما يُطالب السودان بجدولتها، وإعفاء بعضها. كما يدعوالصين لمزيد من الاستثمارات النفطية في الحقول المكتشفة حديثاً، وزيادة الانتاج في الحقول القديمة منها التي تقع في شمال السودان بعد انفصال جنوبه عنه، حتى يتمكن من النهوض قويا كما كان، ويسدد ما عليه من التزامات. غير أن كمية النفط المتبقية في السودان لا تُغني عن ضرورة تعاون الجانبين في المجالات الزراعية والحيوانية، فهي المخرج لمعالجة معوقات التعاون بينهما وفق مقترحات وحلول ممكنة. فالسودان أرض النيل والأنهر الأخرى التي تجري على أرضه والذي يُلقب بسلة غذاء العالم، يمتلك أكثر من 200 مليون فدان بكر صالحة للزراعة، وقد بدأت الصين في السنوات الاخيرة الاستثمار الزراعي في السودان ولكنه يبدو دون المطلوب، وإذا عمل الجانبان على إنفاذ هذا التعاون الزراعي سيُصبح أهم اللاعبين في انتاج الغذاء العالمي بمعاونة الصين ذات الخبرة الكبيرة في هذا المجال.

إلى جانب ذلك يمتلك السودان ثروات حيوانية وسمكية ومعادن نفيسة ومقومات سياحية عمادها الأهرامات النوبية القديمة، والشُعب المرجانية في أعماق البحرالأحمر بشرقه، ومحميات الحيوانات البرية النادرة، والمناظر الطبيعية الخلابة، التي يمكن أن تكون قبلة للسياح الصينيين، حتى أن القصر الجمهوري القديم في الخرطوم يُعدُ مَعلماُ سياحياً ورمزاً مهماً للصينيين. فعلى عتباته قتل ثوار الدولة المهدية السودانية المستعمر البريطاني المشترك لبلديهما وحاكم السودان في ذلك الوقت غردون باشا، وهو اللواء تشارلز جورج غوردون (28 يناير 1833 – 26 يناير 1885) المعروف بلقب (غوردون الصين)، و(غوردون باشا)، و(غوردون الخرطوم)، وكان ضابطاً وإدارياً في الجيش البريطاني، وتُذكر حملاته في الصين وشمال أفريقيا، حتى قُتل يوم تحرير الخرطوم، وكان قد تطوع غوردون عام 1860 للخدمة في الصين ووصل إلى تيانجين في سبتمبر من ذلك العام، وحضر احتلال بكين ودمار القصر الصيفي من قبل البريطانيين، الذين احتلوا شمال الصين حتى عام 1862.

يحتاج الصديقان القديمان الصين والسودان إلى تشاور وتنسيق مستمرين، والبحث عن وسائل جديدة لتعزيز التعاون بينهما، كما يمكن للصين أن تكون وسيطاً مُهماً في حل القضايا العالقة بين السودان ودولة جنوب السودان، وذلك لأنها القاسم المشترك في صناعة النفط بين بالبلدين، الأمرالذي سيعود بالنفع على الأطراف الثلاثة رغم المخاطر التي تعترض تعاون الصين مع دولة جنوب السودان في مجال النفط الذي تُهدده المطامع الأمريكية، التي تريد الاستحواذ على انتاج هذه الثروة هناك..

العلاقة بين السودان والصين نموذج للتعاون بين دول الجنوب الجنوب، ويمكن كتابة الكثير من الدراسات عنها، وبصفتي إعلامياً مُتابعاً لمسيرة هذه العلاقات في البلدين، فقد كنت شاهداً على مجرياتها التي تتطلب الكثير من الرصد والتحليل الذي لا تستوعبه هذه المساحة، ولكن يجب الإشارة ختاماً، إلى أن التعاون بين السودان والصين أصبح أكثر أهمية لما يملكه السودان من مقومات طبيعية هائلة، وما تملكه الصين من قوة اقتصادية كثاني أكبر اقتصاد عالمي لصالح البلدين من أجل الحفاظ على صورة الصين في أذهان الشعب السوداني، ولتحقيق الفوز المشترك، ولتفويت الفرصة على أعداء الشراكة الصينية الأفريقية وهم كثيرون، لاسيّما وأن الصين صارت أرض الأحلام ليس لشعبها فحسب، بل ولشعوب العالم أجمع بعد مبادرة [الحزام والطريق] التي طرحها الزعيم الصيني شي جين بينغ، لتتواصل مسيرة علاقات البلدين والشعبين اللذين يربطهما تاريخ وكفاح مشترك رغم بعد المسافات واختلاف اللغات بينهما، وإن لم يلتق نهرا النيل واليانغتسي، فقد تعانق الشعبان الصيني والسوداني وأحبا بعضهما البعض رغم هذا البُعد المكاني والجغرافي.

*أسامة مختار: إعلامي وكاتب شهير، والخبير الإذاعي من السودان الشقيق العامل في القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، والقائم بأعمال الإتحاد الدولى للصحفيين والإعلاميين والكُتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين لدى الصحافة والإعلام الاجتماعي الصيني الناطق بالعربية في جمهورية الصين الشعبية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.