موقع متخصص بالشؤون الصينية

العلاقات العربية ـ الصينية عبر القرون الماضية..والعلاقات الفلسطينية ـ الصينية

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
علي مشعل*

 

مقدمة تاريخية

تعود العلاقات العربية – الصينية إلى أكثر من ألفي عام، من خلال المبعوثين للحكام الصينيين أو من خلال التجار الصينيين الذين كانوا يتعاملون مع العرب في إطار التبادل التجاري بين الصينيين والعرب. وبفضل طريق الحرير وتبادل الرسل زادت الصين معرفتها عن العرب تدريجيا، إلى أن تمكن العرب من تأسيس الدولة الإسلامية والتي امتد نفوذها حتى إلى ما وراء النهر في آسيا الوسطى وحتى حدود الصين. فكانت الدولة الإسلامية فد ازدهرت اقتصاديا وعلميا، وشهدت حضارة متطورة، وبالمقابل كانت الصين قد شهدت أيضا تقدما اقتصاديا وحضارة وتجارة مزدهرة، وكان العرب ينظرون إلى الصين نظرة إعجاب لتميزها بحضارتها القديمة وتاريخها العريق، فكان لابد من التعاون بين العرب والصينيين ضمن المصالح المشتركة بينهما. وكان العرب يعرفون عن تقدم الصين في العلوم حتى أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال “اطلبوا العلم ولو في الصين” وكانت الإمبراطورية الصينية تعامل من يأتي إلى الصين من بلاد العرب والبلدان الأخرى من رسل وتجار معاملة حسنة، وتقابل ما يعتنقونه من ديانات بالاحترام التام.ووأخذت الاتصالات بين الصين وبلاد العرب تزداد وتزدهر حركة التجارة بينهما أثناء حكم الدولة الأموية والعباسية.

ولم تنقطع العلاقات التجارية بين العرب والصينيين حتى في زمن الحروب التي شهدتها بلاد العرب وكذلك الصين، فقد استمرت التجارة بينهما دون أن تتأثر بالحروب التي شهدتها المنطقة.

وعند تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، استمرت العلاقات الطيبة بين الصين والدول العربية لدى حصول هذه الدول على استقلالها، فقد أقامت مصر وسوريا والعراق والجزائر وغيرها من الدول العربية علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة، وتجسدت هذه العلاقات أثناء عقد مؤتمر “باندونغ ” الذي عقد في منتصف خمسينات القرن الماضي في اندونيسيا، وحضره زعماء دول عدم الانحياز، وكان أبرزهم الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وشون لاي رئيس وزراء الصين، ورئيس وزراء الهند ” وجواهر لال نهرو” والرئيس الأندونيسي ” سوكارنو ” والزعيم اليوغسلافي ” تيتو ” وعدد آخر من زعماء دول العالم الثالث.

وأقامت الصين علاقات دبلوماسية بشكل رسمي مع جميع الدول العربية، كما ظلت تحافظ على علاقات طيبة مع شعوب هذه الدول، وبقيت الصين والعالم العربي يتبادلان المواقف المساندة والداعمة لبعضهما البعض. فخلال حرب 1956 “حرب قناة السويس” وقفت الصين حكومة وشعبا موقفا ثابتا ضد العدوان الثلاثي الذي شنته كل من بريطانيا واسرائيل وفرنسا، ودعمت النضال العادل الذي خاضته مصر من اجل استعادة قناة السويس، كما وقفت الصين إلى جانب حركات التحرر العربية ضد الاستعمار الغربي لبعض الدول العربية، بما في ذلك دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه لنيل الاستقلال الوطني الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965. وبالمقابل وقفت الدول العربية عام 1971 إلى جانب مشروع استعادة جمهورية الصين الشعبية لجميع حقوقها في هيئة الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها خلال الدورة السادسة والعشرين للجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، وصوتت معظم الدول العربية لصالح القرار.

وما زالت العلاقات العربية – الصينية تشهد تطورا ملحوظا على كل المستويات الدبلوماسية والتجارية والتنسيق والاتصالات بين قادة الطرفين بين على المستوى الدولي لاتخاذ مواقف منسجمة في حل المشكلات الدولية، ودائما يتبادلون الآراء ووجهات النظر حول الأوضاع الدولية والإقليمية. فخلال منتصف الستينات من القرن الماضي قام رئيس وزراء الصين ” شون لاي ” بزيارات مهمة للمنطقة العربية، وبخاصة مصر والجزائر حيث أكد خلال زيارته على خمسة مبادئ أساسية تستند الصين إليها في علاقاتها مع الدول العربية:

أولا: دعم شعوب الدول العربية في نضالها ضد الامبريالية والسعي الى تحقيق وحماية الاستقلال الوطني..

ثانيا: دعم السياسة السلمية والعادلة غير المنحازة التي تنتهجها حكومات الدول العربية..

ثالثا: دعم شعوب الدول العربية في تحقيق أمانيها وتطلعاتهما في الوحدة والتضامن بالأشكال والوسائل التي تختارها بنفسها..

رابعا: دعم الدول العربية في معالجة النزاعات فيما بينها من خلال المشاورات السلمية ..

خامسا: تدعو الصين إلى ضرورة أن تلقى سيادة الدول العربية احتراما من جميع الدول الأخرى ، وتعارض أي اعتداء أو تدخل من أي جهة كانت.

واستمرت العلاقات العربية – الصينية متوازنة في معالجة كافة القضايا التي تهم الطرفين، وتبادل الطرفان العديد من الزيارات المتبادلة، كان أبرزها زيارة الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ إلى جامعة الدول العربية في القاهرة عام 2016 وخطابه الشهير والذي تضمن رؤية متكاملة ومتميزة لحل أزمات الشرق الأوسط. وتضمن مبادرات للتبادل الثقافي وتقديم منح وقروض ما من شأنه خلق جسور جديدة بين العرب والصين تستطيع توفير مناخ جيد للتفاهم والتقارب. وأعرب شي عن أمله فى أن تستطيع الجامعة العربية الاستمرار في العمل كقوة مدافعة عن الصداقة الصينية ـ العربية وتدعمها بقوة، مؤكدا ان الصين ظلت دائما داعما قويا للقضية العادلة للدول العربية وكذا جهود التعامل مع الأزمات الإقليمية بنفسها.

وحث شي الطرفين على تعزيز الثقة المتبادلة والتنسيق في القضايا الرئيسية في المنطقة وحول العالم والتكاتف من أجل تنفيذ مبادرة “حزام وطريق” وتشجيع التعاون متبادل النفع. وقال إن “الصين شريك اقتصادي وتجاري هام للدول العربية، وهي حريصة على تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة، ورفض تدخل الدول الكبرى في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتقديم الدعم لها وفقا لمبادئ الدبلوماسية الصينية. وأشار إلى أن “التجربة الصينية شاهد على أن التنمية هي المفتاح لحل الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكثير من الأزمات القائمة في الدول العربية وقعت نتيجة غياب نموذج تنمية ناجح، فالتنمية وسيلة لتعبئة الشعوب نحو مسار يحقق الفائدة للجميع ويتجاوز الخلافات”. وحث الرئيس شي جين بينغ دول الشرق الاوسط على حل خلافاتها عبر الحوار بدلا من استخدام القوة. وأكد أن مشاكل المنطقة لا تحل بلغة القوة، ولا يدوم الأمن بعقلية المحصلة الصفرية. رغم أن طريق الحوار قد يكون طويلا وحتى يشوبه التراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة. يجب على مختلف الأطراف المتنازعة إطلاق الحوار لإيجاد القاسم المشترك الأكبر وتركيز الجهود على دفع الحل السياسي. ويجب على المجتمع الدولي احترام الإرادة والدور لأصحاب الشأن والدول المجاورة والمنظمات الإقليمية، بدلا من فرض حلول من الخارج، بل ويتحلى بأكبر قدر من الصبر ويفسح أكبر قدر من المجال للحوار. وأضاف أن ” المفتاح لفك المعضلة يكمن في تسريع عجلة التنمية. فجميع الأسباب التي أدت إلى الاضطرابات والتوترات الحالية في الشرق الأوسط ترتبط في الأساس بالتنمية، فلا مفر من احتوائها إلا من باب التنمية في نهاية المطاف. والتنمية قضية الحياة وكرامة الشعوب، وهي سباق مع الزمان وصراع بين الأمل واليأس. وإن تحقيق كرامة الحياة للشباب من خلال تطويرهم وتنميتهم هو الطريق الوحيد لأن ينتصر الأمل على اليأس في عقولهم، وأن يستبعدوا طوعا عن أعمال العنف وموجات التطرف والإرهاب في سلوكهم”.

العلاقات الفلسطينية – الصينية

تعود العلاقات الفلسطينية – الصينية لتلك الزيارة التاريخية التي قام بها أبو جهاد للصين الشعبية برفقة ياسر عرفات عام 1964، حيث اجتمعا مع شوان لاي رئيس الوزراء الصيني آنذاك والزعيم ماوتسي تونغ، وقد أسفرت المحادثات عن تأييد ملموس من القيادة الصينية على الصعيدين السياسي والعسكري وفتح آفاقاً عظيمة أمام حركة فتح، واعتراف الصين بحركة التحرير الوطني الفلسطيني ونضالها من أجل التحرير. وأعقبها زيارة رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الأسبق أحمد الشقيري العاصمة الصينية بكين لدى تأسيس المنظمة عام 1964 على رأس وفد فلسطيني، التقى خلالها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ورئيس الوزراء شون لاي، وأكدت الصين خلال تلك الزيارة موقفها الداعم والمساند لكفاح الشعب الفلسطيني ونيل حقوقه المشروعة في فلسطين، وكانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية اعترافا كاملا كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وافتتحت المنظمة ثاني مكتب لها في الصين بعد مكتبها في الجزائر حيث منحته السلطات الصينية حصانة دبلوماسية كاملة. وتوالت زيارات القيادة الفلسطينية إلى الصين، وفتحت الصين أبواب كلياتها العسكرية لتدريب الكوادر العسكرية لحركة فتح، وأرسلت كميات كبيرة من الأسلحة لدعم المقاتلين الفلسطينيين. وعلى المستوى السياسي كانت الصين من أوائل الدول التي دعمت القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة. ففي البيان الأول للصين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ٬ جاء ” إن جوهر أزمة الشرق الأوسط يتمثل في العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى بتواطؤ ومساندة من الولايات المتحدة”.

وعلى إثر سياسة الإصلاح والانفتاح، ظلت مشكلة الشرق الأوسط تحتل مكانة هامة في السياسة الخارجية الصينية، ولم يتغير الموقف الصيني المؤيد والداعم للقضية الفلسطينية، وظلت الصين تدعو الى حل سلمي لمشكلة الشرق الأوسط يقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية التي تضمن استعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة. ويذكر أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قام بست عشرة زيارة إلى الصين، فالحديث عن علاقات ابو عمار بالصين ـ قيادة وشعباً ـ لا ينضب، وتاريخها يجسد تاريخ العلاقات بين البلدين والشعبين.. الرئيس عرفات كان شديد الاهتمام يأخذ مشورة القيادة الصينية في المسائل والقضايا المصيرية الهامة، ويحرص كل الحرص على وضعها الدائم في صورة الأوضاع والمستجدات على الساحتين الفلسطينية والعربية.. ففي عام 1993  وعقب التوقيع على إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في واشنطن، توجه مباشرة الى الصين ليضع قادتها في صورة الاتفاق الذي تم، والخطوات اللاحقة التي ستتخذها القيادة الفلسطينية في هذا الشأن .. لقد لفتت تلك الزيارة اهتمام المجتمع الدولي برمته. وقد قدمت الصين حديثا مبادرتها ذات النقاط الخمس لحل مشكلة الشرق الأوسط والتي تستند إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة المؤيدة للحقوق الفلسطينية. وفي الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جينبينغ أكد أن الحفاظ على الحقوق والمصالح المشروعة للشعب الفلسطيني رسالة مشرّفة تتحملها الجامعة العربية، كما هو مسؤولية مشتركة تفرض على عاتق المجتمع الدولي ككل.

لا يجوز تهميش القضية الفلسطينية ناهيك عن وضعها في الزاوية المنسية. فإن القضية الفلسطينية قضية جذرية للسلام في الشرق الأوسط. وإذا أراد المجتمع الدولي تهدئة الوضع ووقف الصراع، فيجب عليه الدفع باستئناف مفاوضات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام من جهة، والالتزام بالعدل والعدالة وإحقاق الحق من جهة أخرى، ولا يمكن الاستغناء عن أي من الاثنين، إذ بدون العدل والعدالة، لن تؤدي أي اتفاقية للسلام إلا إلى سلام بارد حتى ولو كانت قادرة على تحقيق ذلك. ويجب على المجتمع الدولي الوقوف إلى جانب الحق والعدالة وتعويض الظلم التاريخي بأسرع وقت ما يمكن. وأضاف أن الصين تدعم بحزم عملية السلام في الشرق الأوسط، وتدعم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما نتفهم مطالب فلسطين المشروعة بالانضمام إلى المجتمع الدولي بصفة دولة، وندعم إقامة آليات جديدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، كما ندعم الجهود المبذولة من قبل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في هذا الصدد. ولأجل تحسين معيشة الشعب الفلسطيني، فقد قررت الصين تقديم مساعدات نزيهة قيمتها 50 مليون يوان صيني إلى الجانب الفلسطيني، مع تقديم الدعم لمشروع المحطة الكهروشمسية في فلسطين.

وما زالت الصين الشعبية تقف موقفاً يستند إلى مبادئها المؤيدة بصورة مطلقة الحقوق الفلسطينية في كل المحافل الدولية والمؤتمرات الدولية.

*علي مشعل: رئيس المجموعة (1) للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين في فلسطين، ومدير عام الدوائر العربية والصين الشعبية في مفوضية العلاقات العربية والصين الشعبية – فلسطين، ورئيس منتديات مستمعي القسم العربي للاذاعة الصينيةCRI وقراء مجلتها “مرافئ الصداقة” في فلسطين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.