ملاحظات بارزة في “الرحلة الصينية”

موقع الصين بعيون عربية ـ
الشيخ محمد حسن التويمي*

في كل مرة أزور فيها الصين أجد شيئاً جديداً وأكثر متعة. في الزيارة السابقة التي كانت دعوة إلى مؤتمر شارك فيه أشقاء من دول عربية عديدة، لم أرَ الكثير من معالم الصين وأسرارها، لكن في الزيارة الثانية وكانت شاملة وذات منفعة كبرى، رأيت ما لم أكن أحلم به، فقد بذل الرفاق والأصدقاء في قيادة الحزب الشيوعي الصيني الذين تقدّموا بالدعوة إليّ من خلال الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين كامل جهدهم لتكون الرحلة ناجحة ورفيعة المستوى والشأن، لذلك أتقدم إليهم بشكري الكبير والعميق لكل ما قدموه من خدمات وعناية للوفد وأنا بضمنه وفي إطاره الاتحادي العام.

في الوقت الحالي الذي يدور في أحداثه الخطرة رأس الانسان خشية من حرب عالمية وقتل بمئات الملايين، تعمل الصين بهدوء بالغ على تطوير نفسها بأسلوبها الخاص الذي تسميه الاشتراكية بألوان صينية، ولها ملء الحق في ذلك، فهذه الدولة الصينية تريد إطعام شعبها وإراحته، وجعله سعيداً، وهي توجه أعمالها أولاً من أجل هذا الشعب، ليكون رغيداً ونافعاً لنفسه ولوطنه، فلا خير في مواطن لا يحب وطنه ولا يعمل من أجله، ولا خير في وطن لا يعمل من أجل مواطني هذا الوطن ومساواتهم وعلو شأنهم.

القيادة الصينية وجدت حلولاً مبهرة لتطوير الصين من خلال الاقتصاد التعددي ومتعدد الألوان الذي ضمن تطور الدولة بسرعة، أكثر من تطور أية دولة أخرى في هذا العالم وفي تاريخها الطويل، فكانت الصين إذ ذاك مثالاً للعالم كله، ولكيفية تطويع الاقتصادات لمصلحة الناس، بغض النظر عن اسم النظام الاقتصادي وآليات عمله وإنتاجه، لكن الأهم هو الإنتاج القانوني والنافع والأسرع لمصلحة تلبية حاجات المواطنين، وحاجات الاقتصاد للعملات الصعبة والخامات والاحتياطي من الذهب والعملات الصعبة والأحجار الكريمة والتكنولوجيا الدقيقة والمتقدمة، ومساواة المواطنين والحوكمة الرشيدة.

فبينما تنشغل بعض الدول الصناعية والاقتصادية الكبرى بحروبها والأرباح المتأتية من هذه الحروب غير العادلة وذات الكلفة المالية الباهظة الثمن، تنشغل الصين قيادةً ودولةً وشعباً بالتطوير السريع وتسابقُ العالم إلى هدفها المنشود في مجتمع العدالة المادية والازدهار الروحي، وإنقاذ العالم من اقتصادات الحروب والنزاعات التي شملت البشرية منذ فجر وجودها الإنساني، وهي اللوحة التشكيلية الرائعة التي لمسناها في زيارتنا هذه إلى الصين، وأصابتنا “برجّة حضارية” و”صعقة حضارية” ستلازمنا زمناً طويلاً!

الصين تقوم بتنفيذ اصلاحات هائلة، وهو أمر يلمسه الزائر في اللقاءات والمحاضرات وفي الشارع العام، الذي يعتبر بحد ذاته متحفاً للفنون الجميلة! فالصين حين توسّع من شبكة علاقاتها التجارية والاقتصادية، توظّف أرباحها في المطالب الأساسية، لذا ترى المشهد العام في الدولة متطوراً، ويدلّل على وجود استراتيجية تطويرية شاملة في الدولة، وتوفّر وتحقيق إصلاحات إدارية ومادية وجوهرية، تخدم تشجيع الاستثمارات المحلية والعالمية، في مدن الصين وأريافها وقراها، في المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والثقافية، وتلبية متطلبات كبار السن والأطفال والطبابة والدراسة المجانيتين، إلى جانب توظيفات غزو الفضاء الخارجي ودراسة النجوم والكواكب، حيث تتطلع الصين إلى استيطانها واستغلال مواردها وترابها وما تحت ترابها لمنفعة الإنسان.

رأيت في الصين إنفتاحاً مذهلاً على العالم، يعكس عمق التطور الصناعي والحضاري والقِيَمي الصيني، لا سيّما في هذا التوقيت الدولي بالذات، حيث تفرض بكين نفسها كعاصمة هي الأكثر تطوراً وتنظيماً وقيادية على خريطة العالم السياسية والاقتصادية، من خلال اقتصادها المختلط والأسرع نمواً في العالم خلال الأربعين سنة الماضية من عمر حركة الاصلاح والانفتاح الصينية (1978)، بحيث بدأ معدل النمو الصيني السنوي يتخطى عتبة العشرة بالمئة، وهو تطور مذهل لا تفهمه الرأسمالية التي كان يخيل الينا أنها الاسرع نمواً بسبب اقتصادها العشوائي “غير المخططّ!”. لكن الاقتصاد الصيني يشبه كما يصوره البعض من الخبراء والاقتصاديين بـ “كرة الثلج المتدحرجة” التي تتدحرج بدون توقف ولا شيء يمكنه أن يوقفها، ولا حتى الولايات المتحدة الأميركية واقتصادها. وقد سمعنا في المحاضرات التي استمعنا إليها كيف تخطط الصين للوصول في عام 2020 إلى اقتصاد بحجم يفوق كثيراً أي إقتصاد بالعالم، وهي خطة صينية لمنح الصينيين ثقة بفكرهم وعقيدتهم التي أكدت نجاعتها ونجاحها السلمي وبكونها بديلاً شعبياً وعالمياً إنسانياً لاقتصادات الحروب والنزاعات والدماء والدموع.

الحروب المتلاحقة مستهدفة بالوقف والتفشيل صينياً، باعتبار أن اقتصاد السلام هو الأهم والأنفع، ففي كل مكان بالصين توجد فوائض سلعية، وهذه الدولة المليارية السكان لا تعاني من أي فقر أو فاقة أو حاجة، فتصوروا مقدرة هذا الاقتصاد الحكومي الذي يلبي كل حاجات الانسان وحاجات الاستثمارات الدولية ومشاريع البُنى التحتية، والنقل والكهرباء والزراعة والإسكان، بل وشربة الماء اليومي والاستحمام لمليارات الصينيين. فكلفة الاستثمار السلمي باهظة، لكنها أقل كلفة من اقتصاد الحرب، وهي أمينة وإنسانية وتجد التأييد عالمياً، وهو ما تؤكد عليه الصين وتعمل من أجله وله، فتجد في هذا الإطار أن المواطن الصيني هادىء الطباع، وهو يفكر بهدوء ودقة ورويّة وينجح في مسيرته التي اقتنعنا بجدواها ونؤيدها ونجد أن موقعنا الطبيعي هو فيها ومنها ولها.

…

#الشيخ محمد حسن التويمي: مسؤول متابعة الإعلام والصحافة الصينية والإعلام الاجتماعي الصيني والإسلام والمسلمين في #الصين في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.