موقع متخصص بالشؤون الصينية

زيارَة الصّين صَدمة حَضارية!

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
وجدي النعيمات*:

كأي إنسان أمضى فترة طويلة في الوظيفة العامة، كنت أتمنى أن يكون هنالك فاصل وبعض أسابيع يَغلبها راحة عقلية ومهنية أقضيها في زيارة وسفر وثقافة في بعض البلدان، وعلى الأغلب كان التوجه لدي رحلة إلى أُوروبا، لأنه لم يَدر في مخيلتي ولم يكن في خياراتي أن أختار الصين لعدة عوامل كمنت في ذهني، إلى أن جاءت لحظة غيّرت كل مخيلتي وتصوّراتي وبرامجي، وكانت دقائق دنت مني فجأة لم أتوقع حضورها إطلاقاً.

فذات يوم كان تنسيبي للمشاركة في دورة في جمهورية الصين الشعبية، في مَبحث الإعلام والبث الرقمي، ولمدة 35 يوماً، وعندها بدأت الأفكار تجول في خاطري وتتصارع وتتضارب، ولم تكن لدي فكرة كافية عن البلد الذي سأتوجه إليه وأترك عائلتي وأبنائي ورائي لهذه الفترة الطويلة لأسرة في قرية.

مدة الزيارة الى الصين لم تكن قصيرة، ولكني رضخت للأمر الواقع رغبة في قسط من الراحة والحصول على علوم جديدة، فبدأت الرحلة ووصلت الى الصين وفي داخلي الكثير من التعب والإرهاق بعد تلك المسافة الطويلة طيراناً وتنقلاً بين مطارات، لكن هنا بالذات تكوّنت أجمل المفاجأت في حياتي، والتي شكّلت صدمة حضارية وثقافية لديّ، حتى أنني لم أستطع النوم بالرغم من التعب المجبول بشيء من المتعة والانبساط.

في السابق كنت استمع الى صديقي المّقرب الزميل مروان سوداح وهو يتحدث عن الصين، ولكنني والحق يقال، لم أكن أتصوّر أن ما يقوله مُبهر إلى هذه الدرجة التي لمستها بعيني في الصين خلال الزيارة، لذلك لم أكن سابقاً نشطاً في التعرّف على البلد الصيني وشعبه، فهما بعيدان عنّا فكراً وواقعاً ومسافةً وهموماً، إلى أن دنا يوم وأيقنت بأنه كان من الأفضل إلي أن “أبحث في الصين”، وأن أكتسب منها شؤون الإنسانيات لخدمة بلدي الاردن وإفادة علاقاتنا المشتركة.

فور وصولي إلى الصين أُجزم أن الفكرة القديمة عنها لدي قد تبّدلت فوراً وسريعاً وكلياً وبنسبة مئة بالمئة تامة، وفي أُولى ساعات دخولي إلى مطار بكين، وإلى هذه العاصمة – المدينة الكبيرة والعظيمة، ذات التنظيم والعمران والنظام، فغدوت أحدّث نفسي في الساعات الأولى في الصين وأحاكم المشاهد التي انبسطت أمامي جميلة وفسيحة مدّ البصر، فكيف بباقي الأيام وببقية المشاهد!؟ حتى وصل بي الأمر إلى أشد الندم  لتأخّري طول الفترة الماضية عن زيارة هذه الدولة ومعرفة ثقافة أهلها ومستوى الحضارة وواقع البيئة والطبيعة وحقيقة التطور الذي وصلت إليه.

والمؤكد أن تطور الصين الذي شاهدته وصدمني، لن يقف عند حدود، وهو انطباع يسيطر على الزائر منذ خطوته الأولى في العاصمة، ومن الواضح أن هذه الدولة ستستمر في التطور والرقي، فهي بلد بمستوى حضاري وعمراني ثمين كجوهرة آسيوية، بل ومعجزة في العالم وللعالم، ففيها بُنية تحتية و”فوقية” تحتاج دول متقدمة لسنوات طويلة طويلة جداً حتى تبلغ إلى مبلغها.

الصين مُبهرة من كل النواحي.. سواءً وسائل النقل، المطارات، الموانئ، الأسواق والفنادق، ناهيك عن لطف المواطن الصيني وبساطته وسهولة التأقلم معه، وأكثر مشهد أعجبني و”لعب في أفكاري” وفاجأها هو هذا الخليط الكبير من الديانات والقوميات واحترام الصين لها كلها، والتشديد على تمتعهم بالحرية المطلقة لإقامة شعائرهم واحترام تعاليمهم وتقاليدهم وبشكل كامل وشامل.

خلاصة ما يخرج به الزائر إلى الصين هو إدراكه بوضوح أن هذا الزمن هو زمن الصين بلا منازع، فالصين تتربع على عرش التكنولوجيا الدقيقة والرفيعة من أصغر إنتاج الى الصاروخ والقطار فائق السرعة، وإلى البيوت الجاهزة، والأجهزة الالكترونية والصناعات الثقيلة والفضائية، ومئات الآلاف من المجالات التي باتت التكنولوجيا الصينية تنتجها، إلى الأثاث والملابس والكثير من الصناعات وأساليب الزراعة الحديثة وغيرها، وكل هذه التقنيات متوافرة في كل بيت ومؤسسة في الصين، ومنها التقنيات الاجنبية كذلك، ناهيك عن أن تطور الصين يسير بسرعة البرق وفي وسائل الإعلام المختلفة من تلفزيونات ومحطات إذاعية ووسائل تواصل إجتماعي، فكلما زرت ضمن تجوالنا في إطار الدورة العلمية موقع إعلامي، يكون انبهار أكبر، حتى أنني وصلت إلى درجة من الإحباط في التفكير، وتساءلت: هل يمكن أن يأتي وقت ونصل نحن فيه إلى القليل مما وصلت إليه الصين العظيمة؟!

لقد كان عتبي الأكبر على نفسي، وعلى مَن نظموا دورتنا والكثير من المؤسسات الصينية، فلماذا تأخّرت هذه الدعوة كثيراّ وحُرمنا بالتالي من زيارة هذا البلد -المعجزة، الذي يَخلق في زواره عزيمة قوية ورغبة جامحة للاقتداء به،  فشكراَ لمَن فَتح عقلي وروحي وكشف إليها فهم ومحبة بلد لم أكن أحلم يوماً في زيارته.. بلد عظيم حقاً كعظمة سوره العظيم!

*صحافي وكاتب أردني وعضو في نقابة الصحفيين الاردنيين، وعضو في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.