موقع متخصص بالشؤون الصينية

رؤية صينية: قضية الجولان، فتيل صراع جديد يشعله ترامب في المنطقة

0

 

صحيفة الشعب الصينية:
بقلم ليو باو لاي، نائب الرئيس السابق للجمعية الصينية للدبلوماسية الشعبية، السفير الصيني السابق في الإمارات والأردن، وكبير الباحثين في الصندوق الصيني للدراسات الدولية

ترجمة: صحيفة الشعب اليومية أونلاين

نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 21 مارس الجاري، تغريدة في حسابه على موقع تويتر، قال فيها إنه على الولايات المتحدة الاعتراف “بسيادة” إسرائيل على مرتفعات الجولان. ما يعد موقفا يتعارض مع جميع مواقف الإدارات الأمريكية السابقة. وهوما أثار لغطا كبيرا داخل المجتمع الدولي، وقوبل بالرفض والتنديد على نطاق واسع. وفي الحقيقة، لم تكن تغريدة ترامب مجرّد كلام عابر أو لحظة اندفاع، ولكنها تعبّر عن خطة طويلة الأجل، تمثل جزءا من تحرّك منهج ومتدرّج نحو تسوية النزاع العربي الإسرائيلي. وأمام هذا الوضع، لا يسع العالم إلا أن يتساءل: لماذا لا يتردد ترامب في الإضرار بالتأثير الدولي لبلاده ومصداقيتها، وكيف يتجرأ بهذه السهولة على انتهاك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة دون أي اعتبار لمواقف العالم الرّافضة؟ وهل يتحرّك ترامب مدفوعا بمصالح لوبيات معيّنة؟

بالنظر من العوامل الداخلية والخارجية، هناك بعض النقاط الرئيسية الجديرة بالاهتمام:

أولا، الحشد للانتخابات الرئاسية: يرفع ترامب “شعار أمريكا أولا”، وبصفته “رجل أعمال ذكي”، فهو يعلي من شأن “المصلحة الشخصية” و”النفعية”، ويبرر كل الوسائل في سبيل تحقيق غايته في تعظيم مصالحه إلى أقصى حد ممكن. فهو ليس من الأشخاص الذين يرضون “بـالبيع بخسارة في رأس المال”! فماهي مصلحة ترامب العظمى إذن؟ إنها الفوز بفترة رئاسية ثانية! لكن ترامب يواجه في طريق تحقيقه لهذه الغاية عقبات النمو الاقتصادي الأمريكي والصراع الديمقراطي الجمهوري داخل الكونغرس. وبهذه الخطوة، يطمح ترامب إلى الحصول على دعم الجناح اليميني في الحزب الجمهوري واللوبي اليهودي والقوى المقربة من هذا اللوبي. على سبيل المثال، يعمل السيناتور الجمهوري لينزي غراهام على حشد التأييد داخل الكونغرس للاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. وقد أتى موقف ترامب كما يشتهي لينزي ويريد، ما دعاه لإعلان تأييده في نفس اليوم الذي عبر فيه ترامب عن موقفه.

ثانياً، دعم نتنياهو: ستجري الانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل القادم، بينما يواجه رئيس الوزراء نتنياهو العديد من العقبات والاتهامات من المعارضة، مما قد يصعّب فرص فوزه بفترة رئاسية ثانية. لكن ترامب أبدى تفاؤلا بحظوظ نتنياهو. ويرجع ذلك أساسًا: أولا إلى العلاقات المتينة بين الرجلين؛ وثانيا يعد نتنياهو الرجل المناسب بالنسبة لترامب لتنفيذ ما سمّي “بصفقة القرن”؛ ثالثا، الاعتماد على نتنياهو في لعب دور قيادي ضد ايران.

ثالثًا، تفريق الدول العربية، وتغيير مركز الصراع: تشجع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي بعض الدول العربية على تحسين علاقاتها مع اسرائيل. وتسعى من خلال ذلك إلى شق الصف العربي، وتصعيب فرص الوحدة والتعاون. في ذات الوقت، تحث الولايات المتحدة بعض الدول العربية على تشكيل “ناتو عربي” ضد إيران، وتسعى إلى تحويل مركز الصراع من النزاع العربي الإسرائيلي إلى النزاع العربي الإيراني. من أجل تقليل أعبائها في المنطقة، وممارسة “التحكم عن بعد”.

رابعا، عدم اثارة فوضى كبيرة في المنطقة: بعد تعلّمها من دروس “الربيع العربي” المؤلمة، باتت شعوب المنطقة تتطلّع إلى الاستقرار وتخشى الحروب. كما أصبحت تطالب حكوماتها بتوفير الأمن وإنعاش الاقتصاد وتحسين معيشة الشعب. وهو ما يدفع حكومات هذه الدول إلى الانصراف نحو القضايا الداخلية، خاصةً بالنسبة للحكومة السورية التي تمرّ بفترة عصيبة، وتواجه معضلات داخلية كبيرة، ما يفقدها القدرة على تنفيذ عمليات كبيرة ضد اسرائيل. وقد كان رد فعل مختلف الدول على قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس دليلا على ذلك. وهو ما يشجع ترامب على انتهاز هذه “الفرصة”، لضمان عدم خروج الوضع عن السيطرة.

خامساً، روسيا في وضع محرج وعاجز: أمام الخطوة التي قام بها ترامب، تجد روسيا نفسها غير قادرة على دعم سوريا وإيران لاتخاذ إجراءات فعالة، كما لا تمتلك الوسائل اللازمة للتعامل مع الولايات المتحدة. لذا تكتفي بالتنديد دون القيام بأي تحرّك فعلي. وهذا ما يعكس بأن تأثير روسيا في المنطقة لا يزال محدودا.

سوف يساعد موقف ترامب على تعزيز موقع اسرائيل في المنطقة، كما سيفاقم توتر الصراع العربي الإسرائيلي والمشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة. مما سيحدث آثارا سلبية خطيرة على عملية السلام في الشرق الأوسط، ويوفر بيئة ملائمة للقوى المتطرفة، خاصة “داعش”، التي ستغتنم الفرصة لاستعادة شعبيتها؛ من جهة أخرى، ستسهم خطة ترامب بشأن مرتفعات الجولان في توتير التنافس الدولي على المنطقة، ودفع الوضع في المنطقة نحو الأسوأ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.