موقف الصين من الأزمة في فنزويلا
موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو:
تشهد فنزويلا توتراً متصاعداً اثر إعلان رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد. وقد حظي غوايدو بتأييد الولايات المتحدة الأميركية التي سارعت إلى الاعتراف بشرعيته، تبعها في ذلك دول عدة. بالمقابل أعلن الرئيس الفنزويلي المنتخب لولاية ثانية نيكولاس مادورو قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن متهماً إياها بمحاولة تدبير انقلاب ضده، وقامت الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات إضافية على فنزويلا، أدت إلى زيادة تدهور الوضع الاقتصادي، الهش أصلاً، فضلاً عن نشوء أزمة إنسانية حادة.
ويعود الاهتمام الأميركي بفنزويلا إلى أسباب عدة:
– سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى منع روسيا والصين من امتلاك نفوذ لهما في فنزويلا التي تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم.
– الالتزام بمبدأ مونرو الذي ينسب إلى الرئيس الأميركي الأسبق جيمس مونرو ، الذي نادى بضمان استقلال كل دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي، ولذلك فإن واشنطن لا تسمح لأي قوة بإنشاء مناطق نفوذ في القارتين الأميركيتين الشمالية والجنوبية.
– تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مشتر للنفط الفنزويلي.
– اهتمام إيران بمناجم اليورانيوم في فنزويلا.
وفي المقلب الآخر، ترفض روسيا والصين وتركيا وإيران والمكسيك وكوبا وغيرها من الدول الاعتراف بغوايدو رئيساً للبلاد.
منذ بدء الأزمة في فنزويلا، دعت الصين إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لفنزويلا، وحثت الأطراف المعنية على تسوية قضيتهم بواسطة الحوار. وبهذا الخصوص قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ إن الصين “تدعو جميع الأطراف المعنية إلى الهدوء والتعقل والسعي إلى حل سياسي تحت مظلة الدستور الفنزويلي من خلال حوار سلمي… إن الصين تدعم جهود حكومة فنزويلا لصيانة السيادة الوطنية والاستقلال والاستقرار”. فالصين دائماً ما تنادي بحل النزاعات بالوسائل السلمية وعدم اللجوء إلى استخدام القوة، فضلاً عن دعوتها إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، حيث ترى في التدخل انتهاكاً وانتقاصاً من سيادة الدول.
تعود العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفنزويلا إلى العام 1974، أما العلاقات التجارية فقد شهدت تقدماً ملحوظاً بدءاً من العام 2001. وحتى العام 1999 ، تاريخ تولي هوغو تشافيز السلطة، لم يزر الصين سوى رئيس واحد لفنزويلا هو الرئيس لويس كامبينس في العام 1981. إلا ان العلاقات بين البلدين شهدت تطوراً في عهد الرئيسين هوغو تشافيز وهو جين تاو، وتطورت العلاقات بشكل ملحوظ في فترة حكم تشافيز الثالثة عام 2012، الذي زار الصين 6 مرات خلال فترة توليه سدة الرئاسة.
واستمرت العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس مادورو الذي زار الصين مرتين عامي 2017 و 2015 ، في وقت كانت تتدحرج فيه فنزويلا نحو أزمة اقتصادية حادة، وجرى خلالها التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات واتفق الطرفان على دفع الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين نحو مستوى أعلى.
تعتبر الصين من الحلفاء والدائنين الرئيسيين لفنزويلا التي حصلت على قروض بقيمة 62 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً مقابل النفط وصفقات منجمية، وتمثل 53% من إجمالي الأموال التي قدمتها الصين إلى أمريكا اللاتينية. ولا تزال فنزويلا مدينة لبكين بـ 20 مليار دولار. وفي العام 2016 وفي أوج الأزمة الاقتصادية في فنزويلا، خففت الصين من شروط سداد هذا الدين.
تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي في العالم بحيث يشكل قطاع النفط 56% من عائداتها، لكن انتاجها من النفط الخام تراجع إلى 1،5 مليون برميل يومياً، في حين كان يبلغ 3،2 ملايين برميل يومياً في العام 2008. وتعد الصين ثاني أكبر سوق للنفط الفنزويلي بعد الولايات المتحدة الأميركية.
وساعدت الصين فنزويلا على إنشاء مصانع لتصنيع سيارات ( شيري) وهواتف هواوي، فضلاً عن بناء السكك الحديد وتحديث الموانئ والنبى التحتية كما قدمت لها معدات عسكرية وأسلحة. وللصين منشأة لتتبع الأقمار الاصطناعية في قاعدة كابيتان مانويل ريوس الجوية في غواريكو. وهكذا نرى أن العلاقات بين الصين وفنزويلا تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة والتنمية المشتركة.
وحتى خلال الأزمة الفنزويلية الأخيرة، لم تتخل الصين عن حليفتها فنزويلا، ووقفت إلى جانبها ودعمت الرئيس نيكولاس مادورو، وأبدت استعدادها لبذل الجهود من أجل حل النزاع بطريقة سلمية، والحوار بين الأطراف المتنازعة، كما قدّمت الصين مساعدات طبية وإنسانية إلى فنزويلا بعد تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
كما دعمت الصين فنزويلا في مجلس الأمن، حيث استخدمت الصين، إلى جانب روسيا، حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار أميركي يدعو إلى تنظيم انتخابات رئاسية في فنزويلا، كما رفضت مشروع إعلان لمجلس الأمن اقترحته الولايات المتحدة يهدف إلى تقديم دعم كامل للجمعية الوطنية الفنزويلية برئاسة غوايدو على أنها الجهة الوحيدة المنتخبة ديمقراطياً.
ترى الصين أن الحوار هو الحل الأنجع لحل الأزمة في فنزويلا، وترفض التدخل العسكري واستخدام ما يسمى بالمساعدات الإنسانية لتحقيق أهداف سياسية، فهل ستتمكن الصين بحنكتها الدبلوماسية من مساعدة فنزويلا للخروج من أزمتها؟