موقع متخصص بالشؤون الصينية

معجزة الصين

0


صحيفة الخليج الاماراتية:
غسان العزي:
منذ أن حلت “المنظمة العالمية للتجارة” محل “الغات” بموجب اتفاقية مراكش في ابريل/نيسان العام 1994 أبدت الصين رغبتها بالانضمام إليها . فقد كانت الإصلاحات التي دشنها “الربان الأكبر” دينغ شياو بينغ، منذ بداية ثمانينيات القرن المنصرم، قد حققت “قفزات كبرى إلى الأمام” أو ما اتفق المحللون على تسميته “المعجزة الصينية” . ومع استمرار الرئيس جيانغ زيمين في السياسة التي رسمها سلفه وصلت الصين إلى مركز الدولة العاشرة من حيث حجم الصادرات والأولى من حيث نمو الاستثمارات الأجنبية .

وقفت الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة، بداية ضد انضمام الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة . وكانت مفاوضات الانضمام صعبة بسبب الشروط التي فرضتها هذه الدول المذكورة . لكن منطق المصالح في عصر العولمة والتبادل الحر فرض نفسه، فكما الصين هي “مصنع العالم” فإنها في الوقت نفسه سوق تضم أكثر من مليار وثلاثمئة مليون مستهلك . وهكذا كان، فبعد أسابيع قليلة على تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول ،2001 وافقت واشنطن على انضمام بكين للمنظمة المذكورة . وهناك من المراقبين من يربط بين هذه الموافقة والموقف الصيني المتعاطف مع واشنطن وما أعلنته وقتها من “حرب عالمية على الارهاب” .

في خريف العام 2001 كانت وجهة النظر الاقتصادية الغربية تقول إن الالغاء المتبادل للحواجز الجمركية بين الصين وبقية أعضاء “المنظمة العالمية للتجارة” من شأنه أن يعطي دفعاً كبيراً للتجارة العالمية، الأمر الذي يزيد من النمو الاقتصادي العالمي فيحقق زيادة هائلة في فرص العمل، سواء في الشمال أو الجنوب . ومن وجهة النظر الصينية فإن فتح أسواق البلدان الغنية الكبيرة، لاسيما الأوروبية والأمريكية، أمام السلع الصينية من شأنه أن يسهم في المحافظة على نسبة النمو المرتفعة في الصين، والتي أضحت ضرورة للاستمرار في النموذج الفريد المسمى “اقتصاد السوق الإشتراكي” .

والولايات المتحدة، منذ انفتاحها على الصين في العام ،1979 تعتقد أن الصين الليبرالية لابد أن تصبح ديمقراطية وبالتالي حليفة لها . فالرئيس بيل كلينتون أعلن في مارس/آذار من العام 2000 بأنه يؤيد انضمام الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة، لأنه وان كانت البضائع والسلع الصينية “سوف تأتي إلينا متدفقة الا أن البضائع الأمريكية، في المقابل، سوف تجتاح السوق الكبير الذي تمثله امبراطورية الوسط . والمؤكد في هذه الحالة أن الولايات المتحدة سوف تردم العجز التجاري الحاصل في تبادلاتها مع الصين” . وقد أضاف الرئيس بوش بعده بالقول في السياق نفسه:” هذا ما سوف يساعد على مكافحة البطالة وخلق فرص العمل وإعادة التوازن إلى ميزاننا التجاري مع الصين” .

بعد عشر سنوات على دخول الصين في المنظمة العالمية للتجارة فإن العكس تماماً هو ما حصل رغم أن بكين احترمت التزاماتها التي تفرضها عليها المنظمة المذكورة . فقد خفضت تعرفاتها الجمركية وزادت من الحصص في مجال الاستيراد الزراعي وفتحت قطاع الخدمات أمام الاستثمارات الأجنبية . وهي وأن أضحت “مصنع العالم” فقد صارت، منذ العام ،2009 المصدّر الاول في العالم، وهو مركز احتلته ألمانيا طيلة عقد كامل، والمستورد الثاني . وفي الحالتين ارتفعت قيمة تبادلاتها خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل دخولها المنظمة العالمية للتجارة .

لكن تبين أن الرابح في هذه الحالة كان أصحاب الأسهم، والخاسر هم العمال والموظفون الأمريكيون، فالشركات انتقلت إلى الصين حيث تكاليف العمالة والانتاج أقل بكثير .والنتيجة أن الولايات المتحدة خسرت نحو ثلث وظائفها الصناعية في عشر سنوات وازداد عجز ميزانها التجاري مع الصين من 83 إلى 200 مليار دولار .

ويقول المدير العام للمنظمة العالمية للتجارة باسكال لامي إن الصين تتصرف مثل غيرها من الدول “لا أفضل ولا أسوأ” رغم أن ثمة كلاماً مختلفاً يدور في أروقة غرف الصناعة والتجارة في الدول الغربية عموماً، ومفاده أن السوق الصيني مفتوح نظرياً لكنه محكم الإغلاق عملياً . وقد وضع البريطاني تيم كليسولد (منشورات سان-سيمون 2011) كتاباً يشرح فيه كيف يمكن للمرء أن يخسر في الصين 450 مليون دولار ربحها في وول ستريت لأنه هناك، كما يقول: “السيادة للغش والاحتيال وللقضاة الذين لايفقهون شيئاً في الملف الموكل إليهم ومع ذلك يصدرون الأحكام، ولعملاء مكتب مكافحة الفساد الذين قبل أن يفتحوا التحقيق يطالبونك بسيارة هدية أو حقيبة مملوءة بالنقود . . ثمة شيء أكيد: إذا كنت مستقيماً وتحترم القوانين فإنك هالك لامحالة” .

لكن تقتضي الموضوعية القول إن الفساد ظاهرة عالمية غربية وشرقية على السواء وإن انتقال المصانع الغربية إلى الصين يحفزه البحث عن الأرباح والتنافسية، ولو لم تكن الصين موجودة لذهبت الشركات الكبرى إلى بلدان أخرى كثيرة . والمشكلة هي في نمط العيش الأوروبي والأمريكي حيث تتم الاستدانة حفاظاً على مستوى من العيش لاتؤمنه المداخيل القائمة، وهذا ما تسبب بأزمة الرهونات العقارية ثم بأزمة الديون الأمريكية التي لم ينج من تداعياتها الاقتصاد العالمي برمته .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.