موقع متخصص بالشؤون الصينية

نهاية معركة كورونا.. الصين لن تقبل القسمة على اثنين

0

صحيفة الشعب الصينية ـ
عبدالله عفاس، مدير تسويق تونسي بدار نشر، مقيم ببكين:

تسابق الصين الزمن لاحتواء وباء الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد، والذي لا يزال ينتشر بسرعة بعد وصوله إلى عشرات الدول حتى الآن. وقد وضعت الحكومة الصينية العديد من التدابير الوقائية بما في ذلك حظر السفر ، وتمديد عطلة رأس السنة القمرية الجديدة ومراقبة الوضع الصحي للمواطنين.

صحيح أن هناك قيودًا على السفر والتجمع، مما يشعر الناس بالملل، خاصة وأن الصينيون كانوا ينتظرون عطلة عيد الربيع بفارغ الصبر، للاستمتاع بأوقات سعيدة مع العائلة والخروج إلى السفر. لكن هذه القيود المفروضة على الحركة والتنقل رغم قسوتها، ورغم احباطها للكثيرين، لكنها تبقى ضرورية من أجل السيطرة على انتشار عدوى الفيروس وحماية المواطنين. وكما يقول المثل الصيني: “السلامة أولا” .

قضيت عيد رأس السنة الصينية في بكين. و في اليوم الأول من سنة الفأر كانت بعض الأسواق والمحلّات التجارية مفتوحة .وقد بدا لي كل شيء طبيعي، لأنه عادة مايعم الهدوء شوارع وأحياء بكين مع حلول عيد رأس السنة. حيث يفضل الجميع البقاء في منازلهم للاحتفال بالعام الجديد مع عائلاتهم. وربما كان الاختلاف الوحيد في فترة عيد الربيع لهذه السنة هو أن المارّة كانوا يرتدون الكمامات. بالإضافة إلى تولي حراس الأحياء السكنية فحص درجات الحرارة للمتساكنين عند دخولهم إلى المجمّعات، والتأكد من أنهم يعيشون هناك من خلال إظهار “بطاقة العبور “. وهو اجراء اضافي لتعزيز مستوى الوقاية والتحكم في إنتشار الفيروس .

شعر أفراد أسرتي في تونس بالقلق على سلامتي، بعد أن تناهت إلى أسماعهم الأنباء الواردة من الصين حول الفيروس، وطلبوا مني العودة على الفور. لكنني شعرت بأن الهروب من هذه الأزمة ليس بالحل الأمثل في هذا الوقت، وذلك لسببين: أولا، أنني أردت أن أقدّم المساعدة وأمد يد العون. وثانيا، ستعرضني مغادرتي إلى الاحتكاك بمزيد من الناس وتصعيد احتمال الاصابة بالعدوى. ولذلك قررت البقاء في الصين.

حينما انتشر السارس سنة 2003 لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد ظهرت بعد. ولكن في حالة فيروس كورونا، نجد أن وسائل التواصل قد كانت سببا رئيسيا في تضخيم الأزمة ونشر الأخبار الزائفة والمغالطات للرأي العام العالمي.

لاحظت أن حالة الذعر التي اجتاحت العالم بأسره من فيروس كورونا قد فاقت تأثير الوباء نفسه. ورغم أننا لاننكر، خطورة الوضع و سرعة تفشي العدوى، لكن تهويل الأمور وتضخيمها سيزيد الطين بلّة، ويؤجج الأزمة أكثر.

و قد دفعني انتشار الشائعات المزعجة إلى التكلّم، وتقديم الصورة الواقعية و الحقيقية لما يحدث في الصين. لطمأنة أهالي الجاليات المقيمة في الصين، و مشاركة تجربتي الحقيقية كأجنبي يعايش الوضع ميدانيا. فشاركت في ثلاثة مقابلات إذاعية مع ثلاث محطات إذاعية في تونس، بلدي الأم، وتحدثت عن الواقع كما رأيته. ونفيت الشائعات الرائجة والمغالطات السائدة حول الوضع في الصين، وحاولت أن أبث رسائل طمأنة للأشخاص الذين تملّكهم الذعر من الوضع في الصين.

وفي الحقيقة، لقد كانت جهود الصين لاحتواء تفشي الفيروس مثيرة للإعجاب. إذ يعتبر إغلاق مدينة بأكملها، مثل مدينة ووهان ذات ال11 مليون سكان، ثم توفير الأمن والسلامة وجميع الضروريات المعيشية في نفس الوقت، إنجازا ليس بالهيّن و لايمكن المرور دون الاشادة به. وقد كان هذا القرار الجريء، نافذة الأمل الأولى في معركة احتواء الفيروس، تلته لاحقا المزيد من التدابير القوية.

وقد وجدت المحنة التي تمر بها الصين بسبب فيروس كورونا، تعاطفا من الدول العربية. حيث بادرت كل من مصر و الجزائر وغيرها من الدول العربية، إلى التبرع بالمعدات الطبية لووهان في ظل نقص الكمامات وبعض المُستلزمات الوقائية. كما شدّني مقطع فيديو تناقلته وسائل الإعلام، يعرض مبنى “برج خليفة” الشهير في الإمارات العربية المتحدة ، والذي أضاء بألوان العلم الصيني عارضا لافتة ضوئية كُتِبَ عليها ” ووهان! لا تستسلمي، كلنا معك!” كما تأثرت أيضا عندما شاهدت رجال أعمال عرب يوزعون كمامات على الصينيين في الشوارع وهي لمسة تضامن وود نابعة من روح الأخوة بين الشعبين الصيني و العربي. فنحن مع أصدقائنا الصينيين نساندهم بكل السبل المتاحة حتى تزول هذه المحنة و تعود الصين إلى رخائها و أمنها الذي عهدناه منذ مجيئنا إليها.

إن الشعب الصيني يخوض اليوم معركة كبرى، و طالما حافظ على الثقة و بذل الجهود المشتركة نحو اتخاذ تدابير عملية هادفة. فحتما سينتصر في معركة الوقاية من العدوى والسيطرة عليها.

لقد شهدت الصين عبر تاريخها الطويل الكثير من الأزمات، وهاجمتها الأوبئة الخطيرة وهزتها الزلازل المدمّرة، لكن في كل مرة كانت الصين تتغلب بقوة على هذه الصعاب. ونحن واثقون بأنه لايمكن أن تكون هناك سوى نهاية واحدة لهذه الأزمة، نهاية لن يكون فيروس كورونا طرفا فيها. وستنتصر إرادة الشعب الصيني وتعيد الأمور إلى نصابها من جديد و تقضي على هذا الوباء دون رجعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.