موقع متخصص بالشؤون الصينية

من دبي إلى شرم الشيخ… ترابط كبير يجمع بين قطاعي الصحة والسياحة في الدول العربية وسط تحديات كوفيد-19

0

وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
إنه “السفر إلى بلد أجنبي لتلقي العلاج الطبي، خاصة أنه أقل تكلفة من بلدك”، هكذا شرح قاموس أكسفورد مصطلح “السياحة العلاجية”. وفي الماضي، كان هذا المصطلح يشير عادة إلى أولئك الذين يسافرون من البلدان الأقل نموا إلى المراكز الطبية الرئيسية في البلدان المتقدمة للغاية لتلقي العلاج غير المتاح في أوطانهم.

وأفاد تقرير صدر عن شركة ((ترانسبيرنسي ماركت ريسيرتش)) في مايو من العام الجاري، إن قيمة سوق السياحة العلاجية العالمية بلغت 61.3 مليار دولار أمريكي في عام 2018 ومن المتوقع أن تتوسع بمعدل نمو سنوي يزيد عن 10.5 في المائة في الفترة ما بين عامي 2019 و2027.

في الماضي، كانت البلدان الآسيوية ذائعة الصيت في هذا المجال. فتايلاند على سبيل المثال، تفتخر بأنها المركز الطبي الأول المعروف عنه تقديم خدمات رعاية صحية عالية الجودة وبأسعار معقولة وهذا يتضح من مجيء 69 مستشفى تايلانديا، معتمدا من اللجنة الدولية المشتركة، في المصاف الأولى عالميا. ويوجد في سنغافورة وحدها 15 مستشفى على الأقل تستقبل سياحا علاجيين وتوظف عاملين طبيين ناطقين باللغة الإنجليزية. فيما تتمتع ماليزيا بميزة خاصة فيما يتعلق بالمرضى المسلمين لأن العاملين الطبيين لديها على دراية بالعادات الإسلامية.

وفي الواقع، أصبح من الشائع جدا رؤية العرب في الجلباب التقليدي وهم يتجولون في المستشفيات الخاصة التي تشبه الفنادق في فخامتها، كما يمكن مشاهدة لافتات مكتوبة باللغة العربية في المراكز الطبية الآسيوية.

لقد عطلت أزمة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) هذه العلاقة المفيدة بين الطرفين من خلال زعزعة الأساس الذي قامت عليه، وهو حرية السفر الدولي. ومن المرجح أن تعيد هذه التطورات تشكيل سوق السياحة العلاجية بين دول الشرق الأوسط وآسيا. والآن، تمضى الدول العربية بوتيرة سريعة في رفع مستوى قطاع الصحة لديها وسط تحديات كوفيد-19 لتلبية احتياجات مواطنيها.

وكانت بضعة دول عربية من بينها الأردن وقطر ودول الإمارات العربية المتحدة ضمن قائمة من حظيوا بإشادة منظمة الصحة العالمية مع تسجيلهم معدلات شفاء عالية من كوفيد-19 خلال النصف الأول من هذا العام. وعزا المحللون ذلك إلى الإجراءات العاجلة التي اتخذتها السلطات المحلية وجهودها في دفع بناء النظام الصحي.

وفي هذا الصدد، وضعت المملكة العربية السعودية نصب أعينها مسألة تحقيق تحول في مجال الرعاية الصحية من خلال تطوير برامج الصحة المحلية للمساهمة في تأهيل المهنيين الصحيين المتخصصين وفقا لرؤية السعودية 2030. وتسعي رؤية قطر الوطنية 2030 إلى بناء قوة عاملة وطنية ماهرة قادرة على توفير خدمات صحية عالية الجودة. ووضعت سلطنة عمان مسعى تنشئة كفاءات وقدرات وطنية مؤهلة ورائدة في مجالي البحث العلمي والابتكار الصحي، في المرتبة الثانية من أولويات رؤية عمان 2040.

وذكر تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط، وهو مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن، في نهاية يوليو من العام الجاري أن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي والمقيمين فيها الآن، يتمتعون بـ أو سيتمكنون قريبا من الوصول إلى، خدمات رعاية صحية عالية الجودة داخل البلاد. وتعد منطقة دلمونيا الصحية بالبحرين والمدينة الطبية الدولية في سلطنة عمان مثالين على هذه المشاريع التي هي قيد الإنشاء. كما قامت السعودية بإصلاح بنيتها التحتية للرعاية الصحية لتشمل أحدث مرافق العلاج. وفي الوقت ذاته، أصبحت الإمارات وجهة طبية، مع توافد المرضى إليها من دول الجوار وأيضا من روسيا والصين بفضل مشاريع مثل مدينة دبي الطبية، التي تعد “أكبر منطقة اقتصادية حرة للرعاية الصحية في العالم” وأهم وجهة للخدمات الصحية بالنسبة للمسافرين للعلاج في العالم، حسبما أفاد التقرير.

وثمة تجربة أخرى لتطوير السياحة العلاجية في منطقة الشرق الأوسط وتتمثل في زيادة الاستثمار الآسيوي في خدمات الرعاية الصحية في الدول العربية، ونقل الخبرة والضيافة مباشرة إلى المنطقة. هذا ليس بأي حال من الأحوال بالأمر الجديد، لكنه أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. فقد بدأ منتجع تايلاندي بالفعل الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن المقرر أن يفتتح هذا المنتجع الآسيوي فرعا له في قطر في وقت لاحق من هذا العام، حيث سيصبح أول منتجع من نوعه في الشرق الأوسط.

وذكرت هيئة الصحة بدبي أنها تتوقع عودة قطاع السياحة الصحية في الإمارة بقوة بفضل الإجراءات السريعة المطمئنة التي اتخذتها المدينة ضد جائحة كوفيد-19. وقبل تفشي الفيروس، توقعت دبي أن يساهم قطاع السياحة العلاجية باستقطاب نحو 500 ألف زائر في الإمارة بحلول عام 2021.

وقال الدكتور مروان الملا، الرئيس التنفيذي لقطاع التنظيم الصحي في هيئة الصحة بدبي، إن دبي عملت على إنشاء مرافق صحية جديدة على مدار العام، ما يساعد على جذب السياح العلاجيين المحتملين. وقد “قامت هيئة الصحة بدبي بترخيص ما مجموعه 3397 منشأة صحية في الإمارة، تم إنشاء 45 منها حديثا خلال النصف الأول من عام 2020. وتظل تجربة دبي الصحية ملتزمة بدعم رحلة الإمارة لتصبح وجهة السياحة العلاجية العالمية المفضلة ومركزا لأعلى مرافق الرعاية الصحية المعتمدة”، حسبما ذكر الملا.

وفي الأردن، قالت وزيرة السياحة والآثار مجد شويكة في بداية يوليو، إنه قد تم منح الأردن “ترخيص” السفر الآمن من منظمة السياحة العالمية. وتم إطلاق موقع إلكتروني تفاعلي لتنظيم العملية اللوجستية للسياحة العلاجية، تتضمن الأسعار وكافة تفاصيل الرحلة العلاجية داخل الأردن من مستشفى ونقل وغيرها من الأمور.

وعلى مدار عام 2020، أصبحت الرعاية الصحية وقطاع الضيافة تدريجيا أكثر ترابطا. ومع تزايد الاهتمام بالوقاية من كوفيد-19 ليصبح أولوية قصوى لدى الناس، عملت المجموعات الفندقية بلا كلل على تطبيق إجراءات نظافة صحية ترتقي إلى الدرجة الطبية.

وذكرت مجموعة ((كوليرز إنترناشيونال)) أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن تبدأ في الجمع بين مرافق الرعاية الصحية والفنادق، لافتة في تقرير لها إلى أنه “بالنسبة لمدن رئيسية مثل دبي وأبوظبي والرياض وجدة والقاهرة، يمكن لمنظمي الرحلات ومشغلي الفنادق العمل في شراكة مع المستشفيات المحلية المعروف عنها تقديم رعاية صحية ذات نوعية جيدة”.

كما اقترح التقرير على “المنتجعات الكائنة خارج المدن الرئيسية مثل المنتجعات الساحلية في مصر والأردن وسلطنة عمان والإمارات وكذا مشروع البحر الأحمر السياحي في السعودية، ضرورة تضافر جهود مشغلي الفنادق لتوفير مرافق الدعم ورفع جودتها بما يعزز الجاذبية الشاملة للوجهة بالنسبة للسياح والأسر لقضاء العطلات فيها.

وفي الحقيقة، تتمتع مصر منذ القدم بشهرة عالمية فى سياحة الاستشفاء. وأشارت شبكة ((ورلد تور)) الأمريكية إلى أن مصر بها مناطق تذخر بمياه معدنية وكبريتية وتتمتع بمناخ خالٍ من الرطوبة العالية فضلا عن تربة تحوي رمالا وطميا صالحين لعلاج العديد من الأمراض، فيما تتعدد شواطئها ومياه بحارها التي تتميز بخواص طبيعية. فمصر طبقا لما أعلنته الأجهزة المعنية لديها 1500 عين مياه كبريتية، وحوالي 1300 منطقة في محافظاتها المختلفة تحتوى على مقومات للسياحة العلاجية.

وكانت حلوان فى ستينيات القرن الماضي من أشهر مراكز الاستشفاء فى العالم بعيونها المعدنية التي كانت تستخدم للعلاج، وكان يأتي إليها الزوار من كافة أنحاء العالم للعلاج، ولكن عدم وجود منظومة لتنمية هذا النمط من السياحة أدى به إلى التراجع في مصر. وفي محافظة جنوب سيناء، توجد مجموعة ينابيع تضم 15 عينا تتدفق منها المياه الساخنة من داخل مغارة بالجبل الموجود بالقرب من الشاطئ. ويذكر أن بعض الشركات حصلت على حق استغلال هذه المنطقة لتحويلها إلى مشروع سياحي علاجي عالمي يجمع بين السياحة الترفيهية والعلاجية. كما إن شرم الشيخ لديها اتفاقيات توأمة مع 15 مدينة حول العالم، وقد ناقش محافظ جنوب سيناء مع بريطانيا وبلغاريا في العام الماضي سبل دفع التعاون في هذا الصدد.

تجدر الإشارة إلى أنه في الفترة من 23 إلى 25 مارس الماضي، انعقد تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المؤتمر الدولي للسياحة العلاجية بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة كبرى الشركات الطبية العالمية، وكذا خبراء من السعودية والكويت وتونس ولبنان ونيجيريا وتشاد وأثيوبيا وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا والمجر وبيلاروس، حيث طُرحت الاستفادة من عدة مواقع شهيرة مثل واحة الخارجة وعين كيغار وجبل الدكرور والواحات البحرية والعين السخنة وسفاجا وكهف الملح وسيناء.

وذكر تقرير صدر عن ((المونيتور))، وهي مؤسسة فكرية أمريكية، أن حصة مصر من السياحة العلاجية غير كافية بالنظر إلى مناخها الملائم ومناطقها ذات الخصائص المثالية لهذا النوع من السياحة، ونقل عن مدحت الشريف عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري قوله “إن الاستثمار في السياحة العلاجية سيفيد اقتصاد البلاد ككل من خلال ضخ العملات الأجنبية”. كما ذكر الشريف أنه من المثير للاهتمام رؤية مخطط لمدينة طبية في إحدى المدن الجديدة مثل بدر، بدلا من المواقع المعتادة بالقرب من الشواطئ والمعالم الأثرية، “وهذا تطور إيجابي”.

ومع استمرار أزمة كوفيد-19 في أنحاء العالم، أصبحت الصحة موضوعا رئيسيا لجميع الناس سواء كانوا شبابا أو مسنين. ومن دبي إلى شرم الشيخ ومدينة بدر، تمضي الحكومات والهيئات الصحية قدما في رفع القدرات العلاجية وتوفير الأدوية وبناء آليات صحية لمكافحة الفيروس وضمان صحة المواطنين، وتعمل في الوقت ذاته على تسريع عجلة تطوير الترابط بين قطاعي الصحة والسياحة، وهو ما سيعود بالفائدة على جهود الإنعاش الاقتصادي في المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.