موقع متخصص بالشؤون الصينية

مقالة خاصة: تسييس تتبع منشأ كوفيد-19 أمر مضلل ويضر بجهود البحث عن الحقائق

0

رغم استمرار توارد الأخبار السيئة مثل التضخم المرتفع الذي لا يحتمل والانهيارات البنكية المتزايدة، أطلقت الولايات المتحدة مجددا موجة من إلقاء التهم تجاه الصين من خلال إثارة كذبة تسرب كوفيد-19 من المختبر، والتي رفضها الكثيرون باعتبارها مؤامرة سياسية.
وأظهرت نتائج استطلاع جديد أجرته وسائل إعلام أمريكية خلال الأيام القليلة الماضية أن غالبية الأمريكيين يميلون إلى الاعتقاد بأن فيروس كوفيد-19 نشأ من تسرب في المختبر وليس بشكل طبيعي. وجاءت هذه النتائج عقب تقرير استخباراتي سري صادر عن وزارة الطاقة الأمريكية، أشار إلى أن الفيروس ربما جاء من تسرب مختبري، على الرغم من حقيقة أن الوزارة أصدرت تقييمها المحدث “بثقة منخفضة”.
منذ تفشي الوباء، أصبحت الولايات المتحدة أرضا خصبة للعديد من نظريات المؤامرة السخيفة المتعلقة بكوفيد-19. من البيت الأبيض إلى الكابيتول هيل، كان الساسة متحمسين لنشر أو حتى خلق مثل هذه المغالطات السخيفة لتضليل الشعب الأمريكي، فقط لخدمة وجهة نظر الأحزاب أو مجموعة المصالح المنتمين إليها.
وفي حين أنه من المهم تحديد الأصول الحقيقية للفيروس لمنع الأوبئة في المستقبل، يجب أن يتم ذلك في مجال العلوم ويجب أن يقوم به محترفون يتبعون قواعد ومواقف علمية صارمة.
في فبراير 2021، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا مشتركا مع الصين حول أصول الوباء بعد تحقيق استمر أربعة أسابيع في الصين، وخلصت إلى أن فرضية التسرب من المختبر “غير مرجحة للغاية”.
وأيد أحد أحدث التقارير المستندة إلى العلم، الذي نشرته لجنة خبراء في مجلة ((ساينس)) في أكتوبر 2022، بشكل كامل فرضيات المنشأ الحيواني وخلص إلى احتمال انتشار فيروس كوفيد بشكل طبيعي في قفزة حيوانية المنشأ إلى بشر، دون مساعدة من المختبر.
ومن السخف الاعتماد على معلومات “استخباراتية” لتحديد أصول الفيروس بدلا من الأدلة العلمية، ولا تزال وكالات الاستخبارات الأمريكية ككل منقسمة بالتأكيد حول النظرية الأكثر احتمالا. في مايو 2021، كلف الرئيس الأمريكي جو بايدن “مجتمع الاستخبارات” بالتحقيق في أصول فيروس كوفيد-19، وكان الاستنتاج أنهم “منقسمون حول الأصول الأكثر احتمالا” للفيروس.
يبدو أن السياسيين الأمريكيين يعيشون في عصر “لا حاجة فيه إلى أدلة”. فاستخدام أسباب “محتملة” أو “مرجحة” للتوصل إلى استنتاجات حول أصول الفيروس ليس أكثر من مجرد مواقف سياسية، لا تعيق البحث العلمي بشكل خطير فحسب، بل تضلل الجمهور بشكل غير مسؤول.
وجرى استخدام نتائج الاستطلاع التي تقول بأن “الأمريكيين يميلون بقوة نحو الاعتقاد بأن فيروس كورونا تسرب من المختبر” من قبل وسائل الإعلام اليمينية لإطلاق نظريات المؤامرة الخاصة بها، ومن قبل بعض الساسة في الكابيتول هيل لدعم تحركاتهم المناهضة للصين.
تتبع الفيروسات هو موضوع علمي للغاية؛ لذلك فإن سؤال الجمهور عن آرائهم حول هذا الأمر غالبا ما يكون سخيفا. إلى جانب إخبار الناس بعدد الأشخاص الذين يسرهم تقديم رأي حول مواضيع لا يعرفون عنها سوى القليل وإتاحة الفرصة لوسائل الإعلام لتضخيم مغالطة مضللة، فإن مثل هذه الاستطلاعات عديمة الفائدة ويمكن أن تكون ضارة.
وخلافا لافتراءات الساسة الأمريكيين، دائما ما كانت الصين منفتحة وشفافة، حيث استضافت خبراء منظمة الصحة العالمية مرتين لإجراء بحوث مشتركة وقامت بتبادل بيانات ونتائج بحوث بدرجة أكبر من أي بلد آخر. وفي الوقت نفسه، ترفض الولايات المتحدة، التي لديها أكبر عدد من مختبرات الأبحاث البيولوجية في العالم وسجل مظلم من حوادث تسرب المختبرات، الاستجابة للدعوات الدولية للتحقيق وتبادل البيانات ذات الصلة.
ونظرا لأن المزيد من القرائن من المجتمع العلمي الدولي تشير إلى أن أصول الفيروس قادمة من جميع أنحاء العالم، يتوجب على الحكومة الأمريكية فتح بابها لإجراء تحقيق دولي في حالات كوفيد-19 المشتبه بها قبل وقت طويل من انتشار الوباء على أراضيها، مثل تفشي مرض الرئة الناجم عن السجائر الإلكترونية بين يوليو 2019 وفبراير 2020 وتفشي الالتهاب الرئوي بعد الإغلاق المفاجئ لمختبر فورت ديتريك العسكري في يوليو 2019.
كان من الممكن أن تكون التحقيقات في هذه الحالات المشتبه فيها مفيدة في تتبع أصول الفيروس. غير أن الحكومة الأمريكية أغلقت بابها ولم تهتم أبدا بتقديم تفسير، بينما وجهت في الوقت نفسه انتقادات بلا أساس للصين لما يسمى “عدم التعاون”.
إن تتبع أصول الفيروس أمر يستغرق وقتا، ولا ينبغي للسياسيين أن يضيعوا الوقت في استنتاجات لا تستند إلى بحث علمي. ورفض السياسيين الأمريكيين التعاون وميلهم إلى إشاعة نظريات المؤامرة لن يؤدي إلا إلى إلحاق المزيد من الأضرار بمصداقيتهم المتدنية أصلا في المجتمع الدولي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.