موقع متخصص بالشؤون الصينية

لبنان البلد العربي الأقل استفادة من مشاريع الصين وإمكانياتها

0

صحيفة السفير اللبنانية:
من أصل سكان الصين البالغ عددهم مليارا و380 مليون نسمة، هناك 30 صينيا فقط يعيشون في لبنان ويشكلون جالية لبلادهم، بينما تعود العلاقات الصينية اللبنانية الى 40 سنة خلت. ومن بين ملايين الصينيين الذين ينتشرون سنويا في أنحاء العالم بقصد الاستجمام، يأتي فقط 60 سائحا صينيا إلى لبنان، حسب آخر إحصاءات للسنة الحالية وعن طريق وكالة سياحية سورية، في ظل انعدام أية شركة أو وكالة سياحية لبنانية في الصين.
الأفدح من ذلك ما يكشفه السفير الصيني في بيروت وو تسيشيان بأن ليس للصين أية مشاريع في لبنان حاليا، وهو واقع معاكس لحال العلاقات الصينية مع بلدان عربية أخرى ومنها سوريا حيث يعيش 1400 صيني بينهم 1100 عامل يعملون في مشاريع استثمارية وصناعية مشتركة منها ما يتعلق بالتنقيب عن النفط وإنتاج الطاقة الكهربائية والإسمنت الخ… يردّ تسيشيان الأمر إلى غياب أي مشروع لبناني تنموي عام وعدم إثارة الجانب اللبناني لهذا الموضوع مع العملاق الصيني المستعد للتعاون مع بلد «الأرز»! أما الصادرات الصينية إلى بيروت فتتعدى المليار دولار فيما لا تتجاوز الحركة المعاكسة ملايين الدولارات (صادرات لبنان للصين).
يكشف الحوار مع سفير دولة كالصين آت من تجربة ديبلوماسية مرموقة أمضى قسما كبيرا منها في باريس إهمالا دبلوماسيا لبنانيا فاضحا على صعيد صيانة العلاقات الدولية للبنان مع دول عظمى كالصين.
ويؤكــد سفــير الصــين في بيروت، في حوار مــع «الســفير» أن بــلاده ستستخدم حق النقض («الفيتو») ضد أي قرار عقوبــات يستهدف دمشق، مشــيرا الى إعلان صيني روسي مشترك وقعه الرئيس الصــيني هو جينتــاو مع نظيره ديميتري ميدفيديف الاسبوع الفائت اثناء زيارته الى موسكو.
{ ما هي القراءة الصينية لما يجري من ثورات في العالم العربي وما تأثيرها على علاقاتها بالشرق الأوسط وشمالي إفريقيا سياسيا وإقتصاديّا؟
^ تربط الصين علاقات سياسية واقتصادية مزدهرة مع جميع دول المنطقة. بالطبع كانت للانتفاضات العربية انعكاسات علينا، إذ اضطرت الصين لإجلاء 3 آلاف سائح صيني بشكل طارئ كانوا موجودين في القاهرة يوم انطلاق الثورة المصرية في كانون الثاني الماضي. في ليبيا ايضا اضطررنا لإجلاء 30 ألف مواطن صيني كانوا يعملون في هذا البلد أي الجالية الصينية بأكملها! كذلك علقنا مشاريع التعاون مع ليبيا، وبالتالي إن لهذه الانتفاضات انعكاساتها الأكيدة على العلاقات مع العالم العربي.
{ إن سياستنا الخارجية التي تحكم علاقتنا مع دول العالم أجمع ومن ضمنها العالم العربي ترتكز على أمرين أساسيين: السلام والتنمية.
^ بالنسبة الى السلام فالصين تدعم كل ما من شأنه نشر السلام وتوطيده في المنطقة، وتدعم الوسائل السلمية في إدارة الأزمات في البلدان. بالنسبة الى التنمية فنحن نريد الشراكة مع جميع الدول العربية لذا نقيم مشاريع عديدة مع هذه البلدان.
إلا أنني أشير إلى أن لبنان يشكل نموذجا استثنائيا، فهو البلد الأقل إفادة من المشاريع الصينية بين بلدان العالم العربي. في الأردن مثلا يوجد زهاء 10 آلاف صيني يعملون على مشاريع هناك. وثمة تعاون اقتصادي قوي أيضا مع سوريا حيث لدينا مشاريع بناء كبرى للبنى التحتية. وباختصار أقول إن لدى الصين مشاريع في البلدان العربية كلها باستثناء لبنان. ولدي انطباع بأن اللبنانيين لا يشعرون بأهمية التعاون الصيني العربي لهذا السبب لا نرى مشاريع صينية كثيرة هنا.
{ وجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحافي الأخير، تحية إلى الصين لدعمها موقف بلاده حيال الأزمة المستمرة منذ أشهر، ما تعليقك على ذلك؟
^ تربطنا علاقات جيدة مع سوريا وقد قام نائب وزير الخارجية السوري (فيصل المقداد) منذ أسبوعين بزيارة جيدة للصين. وبما أن سياستنا الخارجية مرتكزة على السلام والتنمية فنحن ننظر بعين القلق إلى ما يجري في دول المنطقة لأننا نتمنى أن تبقى هذه الدول تعيش بتناغم واستقرار وازدهار، وأن تحيا شعوبها بسلام، لذا لدينا ثابتة مهمة تتمثل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، كما أننا نعارض تدخّل أية دولة في شؤوننا الداخلية. ترسخت هذه الثابتة من خلال التجارب التي مرت علينا في الماضي. فمنذ أكثر من قرن كانت الصين محط تدخل وغزو لجميع الدول وبشكل متواصل. ومنذ أواسط القرن التاسع عشر ولغاية اليوم تشهد الصين محاولات حثيثة للتدخل في شؤونها، حتى أن ثمة قوى خارجية تواجدت على أراضيها بين عامي 1840 و1949، وشملت القوى الغربية كلها من الإنكليز الى الفرنسيين والألمان والنمساويين والإسبان والبرتغاليين واليابانيين والروس…
{ كيف تفسرون اعلان بلادكم قبولها المجلس الوطني الليبي الإنتقالي كمحاور، فلم هذا التناقض في التعــاطي الصيني مع ليبيا ومع سوريا؟
^ هذا ليس تناقضا، لأنني كما سبق وشرحت نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان حتى في الحالة الليبية. لدينا اليوم اتصالات مع الحكومة الليبية ومع الجهة الإنتقالية المتمثلة بالمجلس الوطني الموجود في بنغازي، وذلك بهدف تسهيل الحوار بين الطرفين. نحن نواجه سياسة التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلدان لكننا في الوقت عينه نؤيد الحوار السلمي. وفي الحالة الليبية تقوم الصين بتشجيع الحوار بين الحكومة والمجلس الانتقالي عوض الغرق في العنف. في الوقت عينه نحن ندين التفسيرات البائدة لقرار مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا، وما نراه اليوم أعمال عسكرية تسبب أذى كبيرا جدا وغير مبرّر ويزيد الوضع تأزما.
موقف متصدّ في مجلس الأمن
{ هل تعتقد بأن مجلس الأمن الدولي سينجح باتخاذ الموقف ذاته من سوريا أم ان الصين ستتصدى لذلك باستخدام حق «الفيتو»؟
^ سبق وحصلت محاولات متكررة من قبل بعض البلدان التي أرادت تمرير قرار دولي في الأمم المتحدة، وكانت الصين في كل مرة تبرز موقفها بوضوح تام وبحزم شديد والمتمثل بأنها ضدّ أي محاولة أجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان. هذا مبدأ يقود الى عدم زيادة خطورة الوضع بل ترك المجال للبلدان لإيجاد الحلول المتكيفة مع أوضاعها الداخلية. وقد عبرنا عن هذا الموقف صراحة لجميع الزملاء في نيويورك ومنهم من كان يحاول تمرير قرارات ضد سوريا. هذه قرارات إذا اتخذت لن تساعد البتة في حل المشكلة، بالعكس سوف تزيد الوضع تأزما والأمثلة السابقة واضحة، والصين التي عانت من التدخل الخارجي لقرن كامل هي أفضل من تتحدث عن هذا الموضوع لأنها تفهمه جيدا لذا تتشبث بمبدأ عدم التدخل.
{ هل تنسق الصين وروسيا موقفيهما مما يحدث عربيا وخصوصا بعد زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو الأخيرة الى موسكو؟
^ نعم، أخيرا زار رئيسنا روسيا وصدر بعد الزيارة إعلان مشترك صيني روسي موقع من قبل الرئيسين جينتاو وميدفيديف يتعلق بالملفات العالمية الكبرى، في هذا الإعلان ثمة مقطع يتطرق الى الوضع في هذه المنطقة ورد فيه «بأن الطرفين يعتبران أن الوضع في البلدان المعنية في الشرق الأوسط وإفريقيا الشرقية والشمالية يجب إدارته في الإطار القانوني وعن طريق الحوار السياسي، وبهذه الذهنية يمكننا التوصل الى حلول. ينبغي إعادة الاستقرار والنظام الاجتماعي بسرعة ويجب الدفع نحو الحوار الوطني الهادف الى تقوية الديموقراطية والتنمية الاقتصادية في البلد. ونحن نطالب الأفرقاء كافة بحلّ مشاكلهم بالطرق السلمية، وينبغي على المجتمع الدولي تقديم المساعدات البناءة من أجل مساعدة البلدان على ترميم الاستقرار بسرعة وتجنب تدهور الأوضاع وتعقيدها. لا يجب على القوى الخارجية التدخل في الشؤون الداخلية والمسار الداخلي بهدف حل المشكلات». هذا الإعلان المشترك يعبر بوضوح عن موقف البلدين.
{ هل تعتقدون أن موسكو ستلتزم فعليا بالإعلان المشترك الذي وقعته مع الصين؟
^ نعم وأعتقد بأن الصين وروسيا هما على الموجة ذاتها أي متشبثتان بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.
العلاقات اللبنانية الصينية
{ ماذا عن لبنان والعلاقات معه؟
^ إن لبنان هو بلد صديق للصين، وبالتالي لدينا علاقات تعود الى زمن بعيد ونشهد هذا العام مرور 40 عاما على العلاقات الصينية اللبنانية. هنالك دوما تبادل وعلى المستوى السياسي تسير الأمور بشكل جيد ونحن نناقش دوما الملفات الكبرى مع بعثة لبنان في نيويورك وخصوصا تلك المتعلقة بالشرق الأوسط ومنها قضيتا ليبيا وسوريا، لأن لبنان هو اليوم عضو في مجلس الأمن الدولي. بالنسبة الى التعاون الاقتصادي فلبنان هو البلد الذي يحوي أقل مشاريع تعاون مع الصين، وهذا واقع، لأن لبنان لا يمتلك في الوقت الراهن مشروعا تنمويا كبيرا للبنى التحتية في تناقض مع البلدان العربية الأخرى حيث المشاريع الإنمائية كثيرة. لا يوجد أي مشروع مع لبنان باستثناء أفكار وتوقعات والسبب يعود الى أنكم في لبنان بقيتم في حرب لمدّة طويلة جدّا. حصلت محاولات للقيام بمشاريع منها بناء سدّ ومشروع المنطقة الحرة في الشمال إلا أن الحرب الإسرائيلية في العام 2006 دمرت المشروع الأول وجمدت الثاني.
{ لكن مضت اليوم 5 أعوام على انتهاء الحرب الإسرائيلية فلم لم تتجدد المشاريع؟
^ بالطبع لكن في هذا الوقت يجب إعادة إحياء المشاريع وطرحها مجددا، وعندما لا توجد جهود تصب في هذا المنحى فلا يمكننا طرح أنفسنا كشركاء، والمشاريع الصينية نشطة جدا في المنطقة لكن يجب على البلد الشريك أن يقترح الخطط.
{ ما هو معدّل الإستيراد والتصدير بين لبنان والصين؟
^ هنا تسير الأمور بشكل جيد لأنه حين نتحدث عن تعاون إقتصادي فثمة وجوه متعددة لذلك، هناك التبادل التجاري وهو يسير بشكل جيد جدا لأن رجال الأعمال اللبنانيين ديناميكيون. وبالتالي إن التبادل الإقتصادي بين الصين ولبنان قد تضاعف في الأعوام الخمسة الأخيرة حتى بلغ حجم الإستيراد اللبناني من الصين في العام الماضي مبلغا قدره مليار و600 مليون دولار. بالطبع إن الصادرات اللبنانية الى الصين هي أقل بكثير حوالي 50 مليون دولار ليس أكثر.
{ ماذا عن التبادل السياحي بين البلدين؟
^ إن عدد السياح الصينيين الذين يأتون الى لبنان قليل جدا ففي هذه السنة زارت لبنان 6 مجموعات سياحية أي زهاء 60 شخصا وهم اتوا عن طريق وكالة سورية للسياحة.
{ هذا يعني أنه لا توجد اية وكالة سياحية لبنانية تنظم رحلات سياحية للصينيين الى لبنان؟
^ لا، ليس بعد، على الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة السياحة التي طبعت منشورات باللغة الصينية لاجتذاب السياح. يجب القيام بأمر ما لاجتذاب السياح الصينيين وهم يجوبون على دول المنطقة وخصوصا مصر، والسائح الصيني يسخو أثناء سفره ويشتري المنتجات الفاخرة. وبالتالي فإن السياحة هي قطاع يجب تنميته، ويجب محاولة القيام بمهمة الدليل للسياح الصينيين الذين يأتون الى المنطقة عبر توجيههم الى ما يحوي لبنان من معالم سياحية تاريخية جميلة، وخصوصا أن لبنان هو تقاطع للحضارات القديمة وهو وجه غير معروف بعد في الصين، والقطاع السياحي يسهم في إعادة التوازن الى الميزان التجاري بين البلدين.
{ ماذا يعني تشكيل حكومة جديدة في لبنان لبلد مثل الصين؟
^ نحن نتمنى أن تنجح الحكومة الجديدة بعملها من أجل تحسين التنمية الاقتصادية والاستجابة الى طموحات الشعب وتحسين مستوى حياة اللبنانيين. ونتمنى أن تنمو العلاقة بين البلدين وهذا هو المهم بالنسبة إلينا. حتى اليوم لا يوجد الكثير من الجهد من اجل التعاون لكنني سوف أعمل على تنشيط هذا الموضوع مع الوزارات المعنية.
{ هل تعتبر الصين أن ثمة مخاطر أمنية جدية في لبنان قبل صدور القرار الظني وبسبب التهديدات الإسرائيلية؟
^ إن لبنان هو على صراع مع إسرائيل منذ قرون وبالتالي ليس هذا العامل جديدا. طالبنا دوما بأن تحترم إسرائيل كل قرارات الأمم المتحدة وإعادة الأراضي المحتلة واحترام سيادة لبنان وعدم خرق أجوائه الجوية وهنا كانت سياستنا واضحة دوما. ليست لدينا خشية محددة في هذا الوقت. بالنسبة الى المحكمة الدولية نحن نتمنى أن تعمل هذه المحكمة بشفافية ومن دون التأثر بأي عامل خارجي، وبالتالي هذه الطريقة لن تؤدي الى أية مشاكل على الأقل هذا ما نتمناه.
{ ماذا عن مشاركة الصين في قوات الطوارئ الدولية في الجنوب؟
^ يوجد 300 عسكري صيني معظمهم يعملون في نزع الألغام وهم شاركوا في تفكيك أكثر من 10 آلاف قنبلة غير منفجرة، وهناك مستشفى عسكري صيني أيضا في منطقة مرجعيون.
{ ما هي نقاط التلاقي والاختلاف بين النظرتين الأميركية والصينية الى القضايا العربية وخصوصا قضية فلسطين؟
^ من السهل معرفة الفارق بين السياستين حيال الصراع العربي الإسرائيلي ما إن نستعرض موقف الصين من هذا الصراع، نحن نعتبر أن مشكلة فلسطين هي في أساس هذا الصراع، فما دمنا لم نحل هذه المشكلة لن يكون السلام ممكنا في المنطقة. أما كيفية الحل فالصين تدعم فكرة قيام دولة فلسطينية سيدة مستقلة تماما، وعندها فقط يكون تعايش سلمي مع إسرائيل. وبالتالي يجب أن تعيد إسرائيل الأراضي المحتلة والإقرار بحق الفلسطينيين بالعودة الى منازلهم وباختصار نؤيد كل الحقوق القانونية للفلسطينيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.