موقع متخصص بالشؤون الصينية

ارتفاع للأمواج أم هدوء ما قبل العاصفة؟ سر الارتفاع الجنوني لأسعار الشحن.. وإلى متى؟

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
نادر شحروري*:
لاحظنا في الآونة الاخيرة إرتفاعاً لم يسبق له مثيل في أجور النقل البحري عالمياً، وخصوصاً من الصين.. الكثير من التجار في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من البلدان تدور تساؤلات في خاطرهم… ما هو السر الحقيقي وراء ارتفاع أسعار النقل البحري… إلى أين هذا الارتفاع الجنوني و هل سيطول الإنتظار؟

قد تتعدد أسباب هذا الإرتفاع التي تعتمد الجهة التي تحاول تبريره أو تفسيره….. ما بين أسباب ملموسة يمكن رؤيتها و أسباب أخرى قد لا نتمكن من التأكد منها… على الأقل قبل منتصف 2022. و يمكن حصر “وجهات النظر” كالآتي:
المنحى الأول: ما أشعل فتيل هذا الارتفاع الرئيسي هو الوباء الذي اجتاح العالم مع أو قبل دخول العطلة الصينية الشهر الثاني عام ٢٠٢٠; مع ارتفاع الصادرات الصينية الهائلة  – وهو أمر طبيعي –  قبل العطلة الصينية وإغلاق المصانع لقضاء العطلة تم شحن مئات الآلاف من الحاويات خارج الصين… على أمل ان تعود كالمعتاد إليها محمله بمنتجات عصرية او مواد خام او غذائية… الخ. ولكن تزامن إنتهاء العطلة مع بدء الجائحة و بدأت الجائحة بالتغلغل في الدول الصناعية الكبرى والنامية و ما سببته من إغلاقات كاملة والعمل بساعات قليلة حيث أن عملية استيعاب تشغيل الموانىء لاستقبال هذه الحاويات كانت بطيئة جداً… وعملية تنزيل الحاويات وتفريغها أيضاً.. ناهيك عن إعادة تصديرها سواء فارغة من الدول الغير منتجة او إنتظار تلك الحاويات في الدول المنتجة على أمل إنتهاء الوباء وتشغيل مصانعها للتصدير… ولكن بقيت الحاويات تنتظر دون جدوى و لم تعد إلى الصين… وهذا كان سبباً في خلق عجز كبير جدا في توفر الحاويات لدى المصدر الأول في العالم وهو الصين.
واحد مسميات هذه المشاكل هي (اعادة ارجاع الحاويات الفارغة) Repositioning of empty container.

المنحى الثاني:  بعد مرور اشهر على السبب الأول، قامت الاتحادات والمجموعات وشبكات الخطوط الملاحية بما يسمى ب Consortium وهو يعني تقليل تشغيل البواخر عالمياً وذلك بسبب بطىء النمو الاقتصادي متأثراً بالجائحة العالمية مرورا بوجود عجزٍ تجاريٍ وعدم توازن بين الصادرات و الواردات العالمية.

المنحى الثالث: النجاح المذهل لتصدي الوباء منذ بدايته في الصين كان له تأثيرٌ عكسيٌ على إرتفاع اسعار الشحن.. فبعد إتخاذ التدابير اللازمة والتصدي للوباء بشكل سريع وانتشاره بالعالم بشكل كبير مع قلة انتاج تلك الدول في العالم وشح البضائع في الأشهر الأولى من الوباء… زاد الطلب على المنتجات الصينية بشكلٍ مفاجئ وبكميات كبيرة… (نسبة الصادرات الصينية للعالم هو ٤٦٪؜) كانت بمثابة صدمة للخطوط الملاحية بسبب الطلب العالي للحاويات بعد خطة لتقليل خدمة البواخر واطقمها والاشتراك مع الاتحادات العالمية بخروج باخرة اسبوعياً إلى بعض الموانىء بدلاً من ثلاثة رحلات (على سبيل المثال، لا الحصر). وعليه بدأت هنا كثرة الطلب مع قلة المعروض الذي أدى إلى بداية ازدياد أسعار النقل بشكل مفاجىء وبطريقة جنونية مع قلة توفر الحاويات، وارتباك اصحاب البواخر والحاويات مع وكلائهم حول موانىء العالم الذي أدى إلى مخاوف كبيرة من عدم التنسيق بالشكل المطلوب.. هنا إرتفع سعر النقل ليصبح على الأقل ثلاثة أضعاف تقريباً من السعر المعتاد (مثال: من شنغهاي الى ميناء العقبة ب ١٧٠٠ دولار لتصل الى ٥٠٠٠ دولار تقريبا).

المنحى الرابع: جاءت العطلة الصينية ٢٠٢١ مع وجود عجز تجاري فائق، (زاد من الطين بله) حيث وكما ذكرت نصف صادرات العالم تقريباً تخرج من الصين… وهذا زاد من تأثير الأسعار مع الأخذ بعين الاعتبار تقليل تشغيل للبواخر بالقدرة الكاملة وعمل بواخر مشتركة بين الخطوط الذي أدى مباشرةً إلى تقليل العرض وازدياد الطلب وعليه ترتفع الأسعار بشكل طبيعي.

المنحى الخامس: عدم إستطاعة الخطوط الملاحية و مشغلي البواخر و مالكي الحاويات مواجهة هذا الطلب لعدة أسباب منها: يوجد مصنعين إثنين لتصنيع الحاويات و كلاهما في الصين بالإضافة أن أي خطة لإضافة أي باخرة تحتاج لسنوات عند الأخذ بعين الإعتبار بأن السفينة المتوسطة تحتاج إلى عامين لإستكمالها.

المنحى السادس: يتعلق أيضأ بالخطوط الملاحية و مالكي الحاويات و هو بشكل أساسي عدم تواجد الرغبة الحقيقية لحل هذه المعضلة. حيث أنه و بالأرقام كانت هذه الشركات/التحالفات المستفيد الأكبر من ناحية المردود نتيجة عدم الحاجة لتشغيل بواخر بعدد كبير و بإستيعاب حاويات كبير و ما يصاحبه من كلف تشغيل و الإكتفاء بالبواخر الصغيرة قليلة التكلفة و بأرباح تفوق ما كانت عليه قبل هذا الإرتفاع.

المنحى السابع: إن ظهور موجات كورونا من وقت لآخر في مدن أو موانىء عالمية، ومثال ذلك تفشي الفيروس بأكبر موانئ الصين مؤخراً (ميناء يانتيان) وغيرها من الموانىء العالمية، أدى إلى تفاقم أزمة الشحن، مما يؤدي الى تأخر في نقل البضائع وطوابير من السفن، ويزيد هذا الوضع من حدة أزمة الشحن العالمية القائمة بالفعل، والتي رفعت الأسعار وأدت إلى نقص البضائع الشائعة، بدءً من الدواجن ووصولاً إلى أشباه الموصلات التي تستخدم في الصناعات الإلكترونية، حيث يبدأ موسم الذروة بالعالم بشكل عام بالنسبة لشحنات الحاويات في الربع الثالث من كل عام، عندما يخزن الجميع من أجل موسم العطلات في الغرب، لكننا في العام الحالي صرنا في موسم ذروة دائم فعلياً، وهذا ينبأ بارتفاعات جنونية لأسعار الشحن في أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول.

وأخيراً، لا يمكن الجزم إذا ما كانت أسعار الشحن قد تعود إلى ما كانت عليه ولا حتى يمكن القول بأنها ستستقر – على الأقل ليس قبل منتصف 2022. و هذا ما يمكن أن يخلق ركوداً عالمياً خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط بالإضافة إلى هبوط حاد بإستيراد المواد الأساسية من غذاء وملبس، مما سيؤدي حتماً إلى مشكلة لأغلب ذوي الدخل المحدود،  وكذلك للمصانع التي تعتمد على إستيراد المواد الأولية والآلات من الصين حيث سنلاحظ تباطؤ بإنتاجيتها و بالتالي قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه من إغلاقها و تسريح عامليها.

ليس سراً أننا الآن في عنق الزجاجة، و للخروج منها هناك حلّان إثنان على الجميع أخذهما بعين الإعتبار:
الأول قرار دولي على مستوى الحكومات بتخفيض الرسوم و الضرائب و السلع و حتى تخفيض كلف إصطفاف البواخر ومناولتها لتشجيع الخطوط الملاحية على تسريع الحركة وإعادة موضعة الحاويات.

الحل الثاني أن تقوم الخطوط الملاحية بدفعنا ودفع أنفسهم خارج الأزمة والإتفاق فيما بينها لتسيير بواخر أكبر و أكثر، حيث أن لهذه الفرصة مرابح كثيرة قد لا تدوم خصوصاً أن إستمرار الأزمة قد يدفع العالم أجمع للركود ولن تعود  هناك حاجة للبواخر أصلاً.

* أمين سر الجالية الأردنية في الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.