موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصداقة الصينية العربية اتجاه حتمي

0


شبكة الصين:
سونغ دي غان:
جاء في الأثر “اطلبوا العلم ولو في الصين”. يمتد العالم العربي من غربي آسيا إلى شمالي إفريقيا ومن المحيط الهندي إلى المحيط الأطلنسي بتباين الظروف المحلية والهياكل الاقتصادية والأنظمة السياسية بين دوله ويختلف عن الصين من حيث التقاليد والنظام والثقافة ومستوى التطور الاقتصادي اختلافا كبيرا. على الرغم من ذلك فإن علاقات الصداقة الصينية العربية تضرب جذورها في عمق التاريخ. فقد تم تأسيس علاقات التعاون على كافة المستويات في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية بين الصين و22 دولة عربية وذلك يعكس تاريخا طويلا من التبادل والصداقة بين الأمة الصينية والأمة العربية بحيث يعتبر المثل الأعلى للتعاون والصداقة بين الحضارة الكنفوشيوسية التي تمثلها الصين والحضارة الإسلامية التي تمثلها الدول العربية. فإن الصداقة الصينية العربية اتجاه حتمي ولها أسس متينة.

أولا- الصداقة الصينية العربية ذات أساس تاريخي عميق. وقد استمر التبادل السلمي الصيني العربي لألفي سنة، فتكون طريق الحرير القديم ورحلات تشنغ خه الملاح الصيني المسلم إلى البحار الغربية و سفر ابن بطوطة الرحال المغربي الشهير إلى الصين خلال أسرة يوان الملكية بغض النظر عن بعد المسافات تكون جميعها أبلغ دليل على الصداقة الصينية العربية. لقد مرت الأمة الصينية والأمة العربية كلتاهما بمرحلة قوة وازدهار قبل أكثر من ألف سنة حيث ربطت بين الأمتين روابط متشعبة من خلال التبادلات الاقتصادية والتجارية والثقافية التي أضفت حيوية إلى مجتمعهما. ومن أمثلة ذلك الشاي والخزف والحرير الصيني وهي مستلزمات هامة في الحياة اليومية العربية. وتشكل الحضارة الإسلامية جزءا هاما في مكونات الحضارة الصينية. لقد اتسع مضمون الحضارتين الصينية والعربية بفضل التبادل الحضاري بينهما. كما أغنت الأمتان الصينية العربية مضمون “الحضارة الشرقية ” بفضل الاستفادة المتبادلة الطويلة الأمد والتأثير الممتد حتى كانت الحضارة الكنفوشيوسية بشرقي آسيا والحضارة الإسلامية بغربي آسيا عمادا للحضارة الشرقية. إن التواصل والاندماج بين الحضارات الصينية والعربية دفعت التطورات الحضارية البشرية وساهمت في نهوض الحضارات الأخرى في القارتين الآسيوية والأوربية ومهدت لظهور الحضارة الإقليمية في آسيا لتكون تراثا حضاريا مشتركا للبشر.

ثانيا- الصداقة الصينية العربية ذات أساس استراتيجي متين. وشهدت الأمة الصينية والأمة العربية مسيرة مماثلة من التنمية خلال أكثر من ألف سنة ماضية، فمرتا بفترات ازدهار في التاريخ، وأصبحتا مستعمرات أو شبه مستعمرات تحت وطأة القوى العظمى الغربية تزامنا مع التطور السريع للثورة الصناعية الغربية. وتشبه معظم الدول العربية الصينَ الجديدة في النواحي العديدة: فجميعها دول نامية حديثة نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الأولى أو الثانية وحكوماتها الجديدة قائمة على أسس الحضارات القديمة وتعرضت كلتاهما للظلم والقمع من قبل الهيمنة وسياسة القوة الغربية ولتشويهات وسائل الإعلام الغربية طويلة الأمد والتي نشرت مقولة “التهديد الصيني” ومقولة “التهديد الإسلامي”. بعد فترة طويلة من التردد والاكتشاف، يسعى حاليا الجانبان إلى تحقيق البعث والنهضة نهضة الأمة الصينية ونهضة الأمة العربية الإسلامية، كما يسعيان إلى كشف أنماط وطرق التنمية المنطبقة على ظروفها الوطنية. وأصبحت كيفية التعامل مع العلاقة بين الإصلاح والتنمية والاستقرار مهمة ملحة مطروحة أمام الجانبين. فكلا الجانبين بحاجة إلى تبادل التجارب الناجحة في الإصلاح والإبداع، وأيضا تبادل العبر المستفادة من فشل الجانب الآخر في الإصلاح والتنمية ليعلم نقاط القوة ولسد ثغرات الضعف حتى تتحقق الاستفادة المتبادلة والتنمية المشتركة.

ثالثا- الصداقة العربية الصينية ذات أساس مشترك يقوم على نظرية القيم. وتتمسك كلتاهما دائما بالاحترام والمنفعة المتبادلة بدلا من التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد الأخرى واستخدام القوة عشوائيا. لقد صعدت وتطورت الدول الغربية في العصر الحديث بالتوسع الخارجي وحققت تراكم الثروات بالزوارق الحربية والمدافع القوية، ونهب ثروات الدول الأخرى بإقامة المستعمرات وراء البحار وقد تم تشكيل علاقة التبعية غير المتساوية. ومن أجل صيانة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية وتوسيعها خارج البلاد، فالقوى الغربية لم تثر عديدا من الحروب الاستعمارية فقط، بل أنشأت قواعد عسكرية متناثرة في تلك المستعمرات، وهكذا تم تشكيل علاقات بين السيطرة ومكافحة السيطرة وبين الاستعمار ومكافحة الاستعمار. وعلى العكس من ذلك، ففي الوقت الراهن تتمسك الصين والدول العربية بسلك طريق التنمية السلمي الذي تتجسد في توسيع السوق المحلية وزيادة فرص التوظيف والاعتماد على التجارة والاستثمارات الدولية المتبادلة المنفعة لإثراء الثروة الاجتماعية، و يهدف إلى حد ما إلى تحقيق التنمية والرخاء المشترك بين دول العالم. فإنّ أسس نظرية القيم للصين وللدول العربية هي: التنمية المشتركة والتنمية السلمية بدلا من نهب الموارد والتدخل بقوة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

رابعا- الصداقة الصينية العربية ذات أساس سياسي مهم. وظهر وضع “القوة العظمى الواحدة والأقطاب العديدة” الذي ميزته قوة الغرب ضعف الشرق، وقوة الشمال وضعف الجنوب بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك معادلة القطبين الأمريكي السوفيتي. احتلت الدول الغربية مكانة مهيمنة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية على مدى طويل حيث سيطرت على زمام مبادرة الكلام العالمي واحتكرت وضع قوانين الألعاب مما جعل الصين والدول العربية والدول النامية الأخرى مهمشة في تقسيم الأعمال الدولية. لذلك يتفق بناء المجتمع الدولي الأكثر عدلا ومعقولية ودفع تشكيل الهيكل المتعدد الأقطاب ومنفعة الصينيين والعرب المشتركة. بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 ، يتسم عموما الوضع الدولي لعصر ما بعد الأزمة بانحلال العالم الغربي وصعود الدول الناشئة وتطور التكامل الإقليمي وإعادة هيكلة القوى السياسية. وقد توصل الطرفان الصيني والعربي إلى اتفاق سياسي واسع النطاق حول حماية الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في إطار الأمم المتحدة والحفاظ على الحقوق التنموية للدول النامية بمؤتمر المناخ العالمي وكسب المصالح المشتركة للدول الناشئة في إطار مجموعة العشرين وبناء عالم متعدد الأقطاب بجد في المسرح المتعدد الأطراف.

خامسا- الصداقة الصينية العربية ذات أساس اقتصادي واقعي. تنتمي الصين والدول العربية إلى مجموعة الدول النامية، تواجهان عديدا من المشاكل التي في حاجة ملحة إلى الحل، مثل نسبة كبيرة من الفقراء وتخلف البناء الاجتماعي والفجوة بين الأغنياء والفقراء وعبء في البناء الحضاري والأيكولوجي. وعلى الرغم من ذلك، سنحت أمامهما الفرص الاستراتيجية للتطور الاقتصادي. يعيش حوالي 1،7 مليار نسمة أي 25% من إجمالي سكان العالم في الصين والدول العربية التي تكون مساحتها نحو أربعة وعشرين مليون كيلومتر مربع أي 16% من إجمالي مساحة اليابسة العالمية. ينفرد التعاون الاقتصادي التجاري بين الصين والعالم العربي بالتكامل وخاصة في مجال الطاقة حيث تكون الصين ثاني أكبر دولة مستهلكة للطاقة بينما تكون الدول العربية دولا مصدرة هامة للطاقة في العالم. وقد اتفقت السعودية والكويت على توفير الطاقة للصين للمدى الطويل باعتبارهم شركاء تجاريين مهمين. يعتبر التطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي الصيني والعربي إنجازات عظيمة بالنسبة للبشر كله، ولا سيما تعاونهما في مجالات المخلص من الفقر ومعالجة التصحر وحماية البيئة وتحسين معيشة الشعب وإدارة المجتمع.

وأخيرا، الصداقة الصينية العربية لها أساس استراتيجي ثقافي راسخ. تنتمي الأمة الصينية والأمة العربية إلى المجتمع الشرقي بمعناه الواسع من حيث الثقافة الاستراتيجية ويختلف اختلافا كبيرا عن المجتمع الغربي فيهتم الأول بالأخلاق والنظام والعدل والأسرة والتحفظ بينما يهتم الأخير بالعسكرة والحرية والسلطة والفردية والتوسع. لذلك ازدادت إمكانيات التعاون والتوصل إلى اتفاق بين الطرفين بفضل التشابه في الثقافة الاستراتيجية.

ويبقى أن أقول إن الأمة الصينية والأمة العربية لكل منهما حضارة باهرة تستحق الافتخار في التاريخ، ولكل منهما معاناة بائسة في العصر الحديث، وأيضا لكل منهما مساع لاكتشاف أنماط التنمية الصالحة وآمال تحقيق النهضة القومية. يعتبر إنشاء منتدى التعاون العربي الصيني وازدياد آثاره وتكثيف تبادلات الدبلوماسية الإنسانية بين الطرفين والارتفاع المستمر لحجم التبادلات التجارية الثنائية وتوارد التجار العرب إلى مدينة يي ؤو وإقامة “مدينة الصين” في العالم العربي يعبتر كلها أفضل شاهد على الصداقة الصينية العربية. وفي عصرنا الحديث يجب على الطرف الصيني أو الطرف العربي بذل مزيد من الجهود لرفع مكانة الطرف الآخر في دبلوماسيته الشاملة بعيدا عن تحرش وتحريض الإعلام الغربي، وإقامة “طريق حرير” للتفاهم والتواصل بين الأمتين الصينية العربية وخاصة بين شبابها وجماهيرها حتى يتعزز لديهما شعور الانتماء الآسيوي وتتصديان معا للتحديات في التعاون الاستيراتيجي في ظل الوضع الجديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.