موقع متخصص بالشؤون الصينية

منظمة شنغهاي للتعاون .. مواقف وسياسات

0


صحيفة الوطن العمانية:
كاظم الموسوي:
منذ تشكيلها في العام 2001، عملت منظمة شنغهاي للتعاون (مكونة من الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان) على تثبيت سياسات استراتيجية لها، وان يكون لمواقفها دور واضح في السياسات الدولية ومحيطها الجغراسياسي. ولم تكتف بأعضائها الستة، بل ضمت منغوليا والهند وإيران وباكستان وأفغانستان لها بصفة مراقب، وبيلاروسيا وسريلانكا وتركيا بصفة شريك في الحوار. وتتبنى المنظمة ضرورة زيادة التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وتعزيز قدرة المنظمة كحلقة وصل بين أوروبا وآسيا. معتبرة نفسها منظمة اقليمية دولية تسعى لتكتل/ حلف بين نظم سياسية متعاونة على مشروع مشترك بينها، رغم التباينات المعروفة لكل عضو فيها.
في كل قمة لها تواصل ما سعت اليه، اما في قمتها الثانية عشرة التي اختتمت أعمالها في بكين مؤخرا (6ـ7/6/2012) فقد وقع رؤساؤها على عشر وثائق، بينت اعتماد الخطوط الأساسية لإستراتيجية تنمية المنظمة، والإجراءات السياسية والدبلوماسية المطلوب اتخاذها للرد على تطورات تهدد السلام والأمن والاستقرار في مجال عمل المنظمة، واتفقت على قرار برنامج التعاون في مكافحة الإرهاب والنزعة الانفصالية والتطرف. إضافة الى الاهتمامات في القضايا الاقتصادية والسياسية والثقافية بينها والعالم.
وكان الرئيس الصيني هو جينتاو قد صرح لوسائل الإعلام الصينية إن منظمة شنغهاي ستستمر في حل “المسائل الإقليمية” من خلال الاعتماد على الذات، حامية نفسها من اضطرابات ناتجة من عدم الاستقرار خارج مجال عملها. كما دعا الرئيس الصيني في افتتاح القمة الـ12 للمنظمة الدول الأعضاء فيها إلى الاتحاد في مواجهة التحديات الأمنية، وأضاف “سنسعى الى ايجاد نموذج جديد للتعاون الاقليمي وتعزيز وتوسيع التعامل بين الدول الأعضاء، لا سيما في مجال التعاون العملي وفي مجال الأمن”. وتضطلع منظمة شنغهاي للتعاون بمهمات تاريخية للمشتركين فيها، ورسم خرائط طرق لها كدول متزايدة الأهمية في العالم، وهي تضم ما يقارب نصف سكان المعمورة. وحددت قمة الـ 12 اتجاهات تنمية هذه المنظمة والمهام الرئيسية للعقد المقبل واعتماد خطة استراتيجية للتنمية متوسطة الأجل. وكانت قد حققت المنظمة على مدى العقد الماضي انجازات بارزة في مجال التعاون الأمني، مثل التصدي المشترك “للحركات الانفصالية” وتجار الأسلحة والمخدرات، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب. كما فعلت في المجالات الاخرى.
معروف ان التقارب الصيني الروسي في المنظمة وتشكيلها يفسر محاولة بكين وموسكو الاهتمام بمصالحهما في آسيا الوسطى واهتماماتهما الاخرى، كقطبين بارزين، روسيا بثقلها السياسي الكبير وخلفيتها التاريخية، والصين العملاق الإقليمي المتصاعد. وتحاول المنظمة عبر القطبين الرئيسيين فيها تكريس مواقف واضحة لها، لاسيما فيما يخص شؤون أعضائها ومراقبيها وشركائها، وحساب كل التحولات والتطورات فيها محليا وإقليميا ودوليا. وهو ما يبين الاهمية التي تأخذها المنظمة خارج جغرافيتها، خصوصا لدى اوروبا والولايات المتحدة الاميركية.
تجتهد المنظمة في شتى السياسات، لاسيما قضايا التعاون الاقتصادي، وتوضح ذلك منذ خمس سنوات، بعد أن أقرت المنظمة برنامجاً للتعاون التجاري الاقتصادي الطويل الأمد حتى عام 2020، خصوصاً أن العديد من البلدان أعضاء المنظمة تتوافر لديهم إمكانات كبيرة للعمل المشترك في مجالات عدة. وتلعب المنظمة دوراً ملحوظاً بين المنظمات الإقليمية التي تأسست بعد تفكك الاتحاد السوفييتي من أجل ضمان تعدد الأقطاب. وأقامت المنظمة آلية فعالة لتعزيز التعاون بمختلف المجالات، ولاسيما الاقتصادية، ومثال معبّر على ذلك، حسب ما نشرته وكالات الأنباء الصينية والروسية وغيرها، عن نمو تجارة الصين السنوية مع باقي أعضاء المنظمة من12مليار دولار أميركي في العام 2001 إلى حوالي 90 مليار دولار أميركي في العام 2011.
بشأن العلاقات الدولية وما يتوجب ايصاله من رسائل فقد أعلنت المنظمة مواقف واضحة لها في بيان صدر في ختام قمتها أكدت فيه على معارضتها “أي تدخل عسكري في شؤون هذه المنطقة او فرض تغيير للنظام بالقوة أو عقوبات من طرف واحد”, وهذا موقف مشترك لها متفق مع تصريحات مسؤوليها ومشاركتهم في المؤتمرات الدولية الأخرى، فبشأن سوريا شددت على “ضرورة وقف كل أنواع العنف ايا كان مصدرها”. وأكدت المنظمة ان التوصل الى “حل سلمي للمسألة السورية من خلال الحوار السياسي” سيكون من مصلحة الشعب السوري والأسرة الدولية على السواء.
حول الوضع في إيران، أعلنت المنظمة أن “اي محاولة لتسوية القضية الإيرانية بالقوة لن تكون مقبولة وستؤدي الى عواقب لا يمكن توقعها ستهدد الاستقرار والأمن في المنطقة وفي العالم بأسره”. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن منظمة شنغهاي تحدثت في إعلانها عن “بناء منطقة فيها سلام دائم وازدهار مشترك”، معربة عن “القلق العميق من التطورات المحيطة بإيران”. ودعت كافة الأطراف إلى التزام أقصى درجات ضبط النفس وتفادي التصريحات التي من شأنها تأزيم الأوضاع. كذلك أكدت منظمة شنغهاي دعمها الكامل للحوار بين مجموعة (5+1) وإيران، والذي سيُستأنف في موسكو في18و19 يونيو الحالي، من أجل تسوية القضية النووية الإيرانية عبر الوسائل الدبلوماسية. ودعت إيران إلى “أداء دور فعال في حفظ السلم والازدهار كعضو مسؤول في المجتمع الدولي”.
كل هذه المواقف والسياسات للمنظمة تؤكد تجددها وتطورها المستمر مع التحولات المحيطة بها وفي العالم. وبحكم خصائصها الموضوعية تنشط المنظمة بمواقفها هذه وسياساتها الاستراتيجية الى تشكيل آليات دولية جديدة وضمانات جغرا استراتيجية عالمية لها ولغيرها من المنظمات والبلدان المهتمة بالتحولات الجارية فيها او في محيطها، وتعزيز ملامح تطوير كتلة الأعضاء الستة في العقد الثاني من تأسيسها الذي أعاد الاعتبار الى المشهد الإستراتيجي وميزان القوى في العالم. ويعتقد أن مؤتمرها الأخير علامة فارقة في تاريخها، يضخ قوة دفع جديدة في عملية تطويرها وتحولات العالم الجديدة. كما يكرسها قوة دولية فعالة وقادرة على مختلف الصعد والمجالات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.